الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو جنى المكاتب على إنسان خطأ فإنه يسعى في الأقل من قيمته ومن أرش الجناية ; لأن رقبته مملوكة للمولى إلا أنه تعذر الدفع من غير اختيار بسبب الكتابة ، فصار كالعبد القن إذا جنى جناية ثم أعتقه المولى من غير علمه بالجناية .

                                                                                                                                والحكم هناك ما ذكرنا فكذا ههنا ، فينظر إن كان أرش الجناية أقل من قيمته فعليه أرش الجناية ; لأن المجني عليه لا يستحق أكثر من ذلك ، فإذا دفع ذلك فقد سقط حقه ، وإن كانت قيمته أقل من أرش الجناية فعليه قيمته ; لأن حكم الجناية تعلق بالرقبة لكون الرقبة ملك المولى ، وهي لا تحتمل أكثر من قيمتها فلا يلزمه أكثر من ذلك .

                                                                                                                                وكذلك لو جنى جنايات خطأ قبل أن يحكم عليه بالجناية الأولى لا يجب عليه إلا قيمة واحدة وإن كثرت جناياته في قول أصحابنا الثلاثة .

                                                                                                                                وعند زفر يجب عليه في كل جناية الأقل من أرشها ومن قيمته ، وهذا فرع اختلافهم في أن جناياته تتعلق بالرقبة أو بذمته ، فعندنا تتعلق برقبته ، والرقبة لا تتسع لأكثر من قيمة واحدة ، وعنده تتعلق بذمته ، والذمة متسعة والصحيح قولنا لما ذكرنا إن رقبته مملوكة للمولى ، فإنها مقدور الدفع في الجملة بأن يعجز فيدفع إلا أنه تعذر الدفع بالمنع السابق ، وهو الكتابة من غير اختيار فصار كما لو جنى جنايات ثم أعتقه المولى من غير علمه بها ، وهناك لا يلزمه إلا قيمة واحدة كذلك ههنا ، هذا إذا جنى ثانيا قبل أن يحكم عليه الحاكم بالأولى .

                                                                                                                                فأما إذا حكم الحاكم بالأولى ثم جنى ثانيا فإنه يلزمه قيمة أخرى بالجناية الثانية ; لأنها لما حكم الحاكم فقد انتقلت الجناية من رقبته إلى ذمته [ ص: 152 ] فحصلت الجناية الثانية ، والرقبة فارغة عن جنايته متعلقة بها فصار بمنزلة الجناية المبتدأة .

                                                                                                                                فرق بين هذا وبين ما إذا حفر المكاتب بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها إنسان ، ووجب عليه أن يسعى في قيمته يوم حفر ، ثم وقع فيها آخر أنه لا يلزمه أكثر من قيمة واحدة سواء حكم الحاكم بالأولى أو لم يحكم .

                                                                                                                                ووجه الفرق أن هناك الجناية واحدة ، وهي حفر البئر فالضمان الذي يلزمه إنما يلزمه بسبب واحد فوقوع الثاني وإن كان بعد حكم الحاكم لكن بسبب سابق على حكمه ، فصار كأنه قتلهما دفعة واحدة فلا يلزمه إلا قيمة واحدة .

                                                                                                                                فأما ههنا فقد تعددت الجناية ، والثانية حصلت بعد فراغ رقبته عن الأولى وانتقالها إلى ذمته فيتعدد السبب فيتعدد الحكم ، ولو سقط حائط مائل أشهد عليه على إنسان فقتله فعليه أن يسعى في قيمته ; لأن المكاتب يملك النقض فيصح الإشهاد عليه كما في الحر ، ويجب عليه قيمة نفسه كما لو قتل آخر خطأ ، وكذلك إذا وجد في دار المكاتب قتيل فعليه أن يسعى في قيمته إذا كانت قيمته أكثر من الدية فينتقص منها عشرة دراهم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية