الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1503 [ 1816 ] أبنا الربيع قال: قال الشافعي: أبنا ابن عيينة، عن هشام، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضا، وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع، وقال: أين المستقطعون؟

والعقيق قريب من المدينة .


التالي السابق


الشرح

يحيى هو ابن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي القرشي.

روى عنه: عمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت .

والحديثان مرسلان، لكن لأصل الإقطاع ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالروايات الصحيحة المسندة، ففي الصحيحين من رواية أبي [ ص: 323 ] أسامة، عن هشام، عن أبيه عروة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ".

وفي "صحيح البخاري" عن أنس بن مالك قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار ليقطع لهم البحرين. فقالوا: لا، حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تقطعنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني". أي: يستأثر ويفضل غيركم عليكم، وعن علقمة بن وائل عن أبيه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضا بحضرموت" ، وعن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير حضر فرسه" .

ثم الإقطاع قد يكون لمجرد الارتفاق كما في مقاعد الأسواق المقطع يصير بالإقطاع أولى بها من غيره، وقد يكون الغرض منه التملك وذلك بأن يقطعه الإمام مواتا فيصير هو أولى بإحيائه وتملكه بالإحياء.

قال الشافعي: والعامر لا يقطع.

وما روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الدور بالمدينة" فقد قيل: إن الدور اسم لموات معين، وقيل: المعنى أنه أقطع ساحات من الموات ليتخذوها دورا، وكان ما أقطعه بين النخيل والمنازل، واحتج به على أن الموات القريب من العمارات وبينهما إذا لم يكن من مرافق [ ص: 324 ] العمارات كالموات البعيد، وحكى أبو سليمان الخطابي عن أبي إسحاق المروزي أن المعنى أنه أقطعهم الدور على سبيل العارية، قال: وما روي "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير نخلا" فيشبه أن يكون إنما أعطاه من الخمس الذي هو سهمه، ويمكن أن يكون هو المراد فيما عرضه على الأنصار من البحرين.

وقوله: "حي من بني زهرة" هم رهط عبد الرحمن بن عوف وفي "مختصر المزني" بدله: "حي من بني عذرة" وعد ذلك غلطا.

وقولهم: "نكب عنا ابن أم عبد" أي: نحه وبعده منا، وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه من الدور شيئا فحافظ على حقه ولم يجبهم إلى ما سألوا، وقال: إنما بعثني الله تعالى بالعدل والإنصاف.

والتقديس: التطهير.

وفي الحديث ترغيب في إعانة الضعفاء والإحسان إليهم. وقوله: "أين المستقطعون" أي: الطالبون للإقطاع والسائلون له، وأما العقيق فقد ذكر الأئمة أن هذا الاسم يقع على مواضع مختلفة، فالعقيق: واد عليه أموال لأهل المدينة على ثلاثة أميال منها وقد يزاد وينقص وفيه بئر رومة، وهو العقيق الأصغر، وعقيق آخر أكبر منه وفيه بئر عروة، عقيق آخر أكبر منه وهو من بلاد مزينة، وهو الذي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلال بن الحارث، ثم أقطعه عمر -رضي الله عنه- وأبقى له ما رآه كافيا له، والعقيق الذي ورد فيه: "إنك بواد مبارك" ببطن وادي ذي الحليفة، والعقيق المذكور في المواقيت من ذات عرق أو عندها [ ص: 325 ] .




الخدمات العلمية