الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        6333 - حدثنا أحمد بن داود قال : أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، قال : ثنا محمد بن طلحة ، قال : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي ، ثم ذكر بإسناده مثله .

                                                        ففي هذا الحديث ، ما يدل على إباحة صيد المدينة ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل سلمة ، وهو بها ، على موضع الصيد ، وذلك لا يحل بمكة .

                                                        [ ص: 196 ] ألا ترى أن رجلا لو دل ، وهو بمكة ، رجلا على صيد من صيدها كان آثما .

                                                        فلما كانت المدينة في ذلك ، ليست كمكة ، ثبت أن حكم صيدها ، خلاف حكم صيد مكة ، وفي هذا الحديث أيضا إباحة صيد العقيق .

                                                        وقد روينا عن سعد ، في الفصل الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ما قد روينا ، ففي هذا ما يخالفه .

                                                        فأما ما في حديث سعد من إباحة سلب الذي يصيد صيد المدينة ، فإن ذلك - عندنا والله أعلم - كان في وقت ما كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال .

                                                        فمن ذلك ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة أنه قال : من أداها طائعا ، فله أجرها ، ومن لا ، أخذناها منه وشطر ماله .

                                                        وما روي عنه ، فيمن سرق ثمرا من أكمامه أن عليه غرامة مثليه ، في نظائر من ذلك كثيرة ، قد ذكرناها في موضعها من كتابنا هذا .

                                                        ثم نسخ ذلك ، في وقت نسخ الربا ، فرد الأشياء المأخوذة إلى أمثالها ، إن كان لها أمثال ، وإلى قيمتها إن كان لا مثل لها ، وجعلت العقوبات في انتهاك الحرم في الأبدان ، لا في الأموال .

                                                        فهذا وجه ما روي في صيد المدينة .

                                                        وأما حكم ذلك من طريق النظر ، فإنا رأينا مكة حراما ، وصيدها وشجرها كذلك ، هذا ما لا اختلاف بين المسلمين فيه .

                                                        ثم رأينا من أراد دخول مكة ، لم يكن له أن يدخلها إلا حراما ، فكان دخول الحرم لا يحل لحلال ، كانت حرمة صيده وشجره ، كحرمته في نفسه .

                                                        ثم رأينا المدينة ، كل قد أجمع أنه لا بأس بدخولها للرجل حلالا ، فلما لم تكن محرمة في نفسها ، كان حكم صيدها وشجرها ، كحكمها في نفسها .

                                                        وكما كان صيد مكة إنما حرم لحرمتها ، ولم تكن المدينة في نفسها حراما ، لم يكن صيدها ، ولا شجرها حراما .

                                                        فثبت بذلك قول من ذهب إلى أن صيد المدينة وشجرها كصيد سائر البلدان وشجرها غير مكة .

                                                        وهذا أيضا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية