الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7407 - حدثنا علي بن زيد قال : ثنا عبدة بن سليمان ، قال : أنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن طاوس قال : أخبرني أبي ، عن ابن عباس ، أنه قال : قال الله عز وجل : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك .

                                                        قال ابن عباس : فقلتم أنتم : لها النصف ، وإن كان له ولد
                                                        .

                                                        [ ص: 391 ] وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : بل للابنة النصف ، وما بقي بين الأخ والأخت ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                        وإن لم يكن مع الابنة غير الأخت ، كان للابنة النصف ، وللأخت ما بقي .

                                                        وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث ابن عباس الذي ذكروا ، على ما ذكرنا في أول هذا الباب ، ليس معناه ، عندنا ، على ما حملوه عليه .

                                                        ولكن معناه عندنا - والله أعلم - ما أبقت الفرائض بعد السهام ، فلأولى رجل ذكر كعمة وعم ، فالباقي للعم ، دون العمة ؛ لأنهما في درجة واحدة ، متساويان في النسب ، وفضل العم على العمة في ذلك ، بأن كان ذكرا .

                                                        فهذا معنى قوله : ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ، وليس الأخت مع أخيها بداخلين في ذلك .

                                                        والدليل على ما ذكرنا ، من ذلك ، أنهم أجمعوا في بنت وبنت ابن ، وابن ابن ، أن للابنة النصف ، وما بقي فبين ابن الابن ، وابنة الابن ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولم يجعلوا ما بقي بعد نصيب الابنة لابن الابن خاصة ، دون ابنة الابن .

                                                        ولم يكن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر على ذلك ، إنما هو على غيره .

                                                        فلما ثبت أن هذا خارج منه باتفاقهم ، وثبت أن العم والعمة داخلان في ذلك باتفاقهم ، إذ جعلوا ما بقي بعد نصيب الابنة للعم دون العمة .

                                                        ثم اختلفوا في الأخت مع الأخ ، فقال قوم : هما كالعمة مع العم ، وقال آخرون : هما كابن الابن وابنة الابن .

                                                        فنظرنا في ذلك ؛ لنعطف ما اختلفوا فيه منه ، على ما أجمعوا عليه .

                                                        فرأينا الأصل المتفق عليه ، أن ابن الابن وابنة الابن ، لو لم يكن غيرهما ، كان المال بينهما ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                        فإذا كان معهما ابنة ، كان لها النصف ، وكان ما بقي بعد ذلك النصف بين ابن الابن ، وابنة الابن ، على مثل ما يكون لهما من جميع المال ، لو لم يكن معهما ابنة .

                                                        وكان العم والعمة ، لو لم يكن معهما ابنة ، كان المال باتفاقهم ، للعم دون العمة .

                                                        فإذا كانت هناك ابنة كان لها النصف ، وما بقي بعد ذلك فهو للعم دون العمة .

                                                        فكان ما بقي بعد نصيب الابنة للذي كان يكون له جميع المال ، لو لم يكن ابنة .

                                                        [ ص: 392 ] فلما كان ذلك كذلك ، وكان الأخ والأخت لو لم يكن معهما ابنة ، كان المال بينهما ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكونا كذلك ، إذا كانت معهما ابنة ، فوجب لها نصف المال ؛ لحق فرض الله عز وجل لها ، وأن يكون ما بقي بعد ذلك النصف ، بين الأخ والأخت ، كما كان يكون لهما جميع المال ، لو لم يكن ابنة ، قياسا ونظرا ، على ما ذكرنا من ذلك .

                                                        وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على ما ذكرنا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية