الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع، وبين ما يقوله هؤلاء وهؤلاء من التركيب، وأن هؤلاء يدعون التركيب من جواهر محسوسة لا تنقسم وهي الجواهر المنفردة، وهؤلاء يدعون التركيب من جواهر معقولة لا تنقسم كما يقولون في تركب الأنواع من الأجناس والفصول، وفي تركب الأجسام من المادة والصورة، والمركب لا بد له من واحد لا تركيب فيه ولا تقسيم.

وقد بين أن ما يدعيه هؤلاء وهؤلاء من هذا الواحد لا حقيقة له في الخارج، وإنما تقديره في الذهن. وكذلك ما يدعيه هؤلاء من الجواهر العقلية المجردة التي لا تنقسم كالعقول العشرة، فقد بين في غير هذا الموضع أنها لا تتحقق إلا في الأذهان لا في الأعيان.

وتوحيد القديم الأزلي واجب الوجود، الذي مضمونه نفي الصفات عند الفريقين ينزه عن مثل هذه الآحاد والوحدات التي يثبتونها في الخارج، ولا حقيقة لها إلا في الذهن، ولهذا كان منتهى تحقيقهم القول بوحدة الوجود، وأن الوجود واحد، لا يميزون بين الواحد بالنوع والواحد بالشخص، فإن الواحد بالنوع كما يقال: الموجودات تشترك في مسمى الوجود، والأناسي تشترك في مسمى الإنسان، والحيوانات تشترك في مسمى الحيوان، والأجسام تشترك في مسمى الجسم .. ونحو ذلك. [ ص: 447 ]

وهذا المشترك هو الكلي الذي لا يوجد في الخارج كليا، ولا يكون كليا إلا في الأذهان لا في الأعيان.

وبين ما دخل على المنطقيين من الغلط في دعواهم تركب الحقائق من هذه الكليات، وما دخل عليهم من الفساد في العلم الإلهي والطبيعي، وأنهم يجعلون الواحد اثنين كالجسم، والاثنين واحدا كالعلم والعالم، والإرادة والقدرة، ويجعلون الموجود معدوما، كالحقيقة الإلهية وصفاتها وأفعالها، والمعدوم موجودا كالوجود المطلق، ويجعلون ما في الذهن في الخارج، كالمجردات والكليات، وأمثال ذلك مما ليس هذا موضع بسطه.

الوجه الثاني: أنه لو سلم أن الجسم مؤلف من الجواهر المجتمعة، فالقول في الاجتماع كالقول في المقدار، وقوله: إن اختصاصه بذلك الاجتماع يفتقر إلى مخصص قد بين فساده، كقوله: إن اختصاصه بالمقدار إلى مخصص، وهو مبني على أن كل مختص يفتقر إلى مخصص.

وأما المقدمة الثانية فإنها قررت بأن المخصص لا بد أن يكون فاعلا مختارا، وأن يكون ما خصصه به حادثا، وقد أبطل الآمدي وغيره كلا المقدمتين. [ ص: 448 ]

وغاية هذا المسلك أن الأجسام لا تخلو عن الحوادث.

التالي السابق


الخدمات العلمية