الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 332 - 335 ] قال : ( ولا يقتل الرجل بابنه ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يقاد الوالد بولده }وهو بإطلاقه حجة على مالك رحمه الله في قوله : يقاد إذا ذبحه ذبحا ، ولأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يستحق له إفناؤه ، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن والقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه ، والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا في هذا بمنزلة الأب وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لا يقاد الوالد بولده }" ; قلت : روي من حديث عمر بن الخطاب ; ومن حديث ابن عباس ; ومن حديث سراقة بن مالك ; ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . فحديث عمر :

                                                                                                        أخرجه الترمذي ، وابن ماجه في " الديات " عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يقاد الوالد بالولد }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد في " مسانيدهم " قال صاحب " التنقيح " : قال يحيى بن معين في حجاج : [ ص: 336 ] صدوق ، ليس بالقوي ، يدلس عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب ، وقال ابن المبارك : كان الحجاج يدلس ، فيحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب ، مما يحدثه العرزمي ، والعرزمي متروك ، قال : وقد أخرجه البيهقي عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عمر بن الخطاب ، فذكر قصة ، وقال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يقاد الأب من ابنه }لقتلتك ، هلم ديته ، فأتاه بها ، فدفعها إلى ورثته ، وترك أباه انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وهذا إسناد صحيح انتهى . والبيهقي رواه كذلك في " المعرفة " ، وكذلك الدارقطني في " سننه " ، وأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن عمر بن عيسى القرشي عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ، قال : جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب ، فقالت : إن سيدي اتهمني ، فأقعدني على النار ، حتى أحرق فرجي ، فقال لها عمر : هل رأى ذلك منك ؟ قالت : لا ، قال : فاعترفت له بشيء ؟ قالت : لا ، فقال عمر : علي به ، فقال له عمر : أتعذب بعذاب الله ؟ قال : يا أمير المؤمنين اتهمتها في نفسها ، قال : هل رأيت ذلك عليها ؟ قال : لا ، قال : فاعترفت لك به ؟ قال : لا ، قال : والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يقاد مملوك من مالك ، ولا ولد من والده }لأقدتها منك ، ثم برزه ، فضربه مائة سوط ، ثم قال لها : اذهبي ، فأنت حرة لله تعالى ، وأنت مولاة الله ورسوله انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، أخرجه في " العتق وفي الحدود " ، وتعقبه الذهبي في " مختصره " : فقال : عمر بن عيسى القرشي ، منكر الحديث انتهى . قلت : أخرجه كذلك ابن عدي في " الكامل " ، والعقيلي في " ضعفائه " ، وأعلاه بعمر بن عيسى ، وأسندا عن البخاري أنه قال فيه : منكر الحديث انتهى . وأما حديث ابن عباس :

                                                                                                        فأخرجه الترمذي ، وابن ماجه أيضا عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تقام الحدود في المساجد ، ولا يقتل الوالد بالولد }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث لا نعرفه بهذا الإسناد ، إلا من حديث إسماعيل بن مسلم ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل [ ص: 337 ] حفظه انتهى . وأعله ابن القطان بإسماعيل بن مسلم ، وقال : إنه ضعيف انتهى .

                                                                                                        قلت : تابعه قتادة ، وسعيد بن بشير ، وعبيد الله بن الحسن العنبري فحديث قتادة :

                                                                                                        أخرجه البزار في " مسنده " عنه عن عمرو بن دينار به . وحديث سعيد بن بشير :

                                                                                                        أخرجه الحاكم في " المستدرك " عنه عن عمرو به ، وسكت . وحديث العنبري :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عنه عن عمرو به . وأما حديث سراقة :

                                                                                                        فأخرجه الترمذي عن إسماعيل بن عياش عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { عن سراقة بن مالك بن جعشم ، قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد الأب من ابنه ، ولا يقيد الابن من أبيه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث فيه اضطراب ، وليس إسناده بصحيح ، والمثنى بن الصباح يضعف في الحديث انتهى . ورواه الدارقطني في " سننه " ، ولفظه : قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نقيد الأب من ابنه ، ولا نقيد الابن من أبيه }انتهى .

                                                                                                        قال : والمثنى ، وابن عياش ضعيفان ; وقال في " التنقيح " : حديث سراقة فيه المثنى بن الصباح ، وفي لفظه اختلاف ، فإن البيهقي رواه بعكس لفظ الترمذي من رواية حجاج عن عمرو عن أبيه عن جده عن عمر انتهى .

                                                                                                        وقال الترمذي في " علله الكبير " : سألت محمد بن إسماعيل عن حديث سراقة ، فقال : حديث إسماعيل بن عياش عن أهل العراق ، وأهل الحجاز شبه لا شيء انتهى .

                                                                                                        وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :

                                                                                                        فأخرجه أحمد في " مسنده " [ ص: 338 ] عن ابن لهيعة ثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقاد والد من ولده }انتهى قال في " التنقيح " : وابن لهيعة لا يحتج به ، ، وقال أبو حاتم الرازي : لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئا ، قال : وقد رواه الدارقطني في " الأفراد " من حديث محمد بن جابر اليماني عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو به ، ومحمد ، ويعقوب لا يحتج بهما انتهى كلامه . ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، إلى أن قال فيه : عن جده عن عمر ، فذكره ، فينظر مسند أحمد وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن يحيى بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقاد الوالد بولده ، وإن قتله عمدا }انتهى . ويحيى بن أبي أنيسة ضعيف جدا .




                                                                                                        الخدمات العلمية