الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 492 - 493 ] قال : ( ولا تجوز بما زاد على الثلث ) لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : { الثلث والثلث كثير }بعد ما نفى وصيته بالكل والنصف ، ولأنه حق الورثة ، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق من الإيثار على ما نبينه . [ ص: 494 ] وقد جاء الحديث { الحيف في الوصية من أكبر الكبائر }وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث .

                                                                                                        قال : ( إلا أن يجيزه الورثة بعد موته وهم كبار ) لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه ( ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته ) لأنها قبل ثبوت الحق إذ الحق يثبت عند الموت فكان لهم أن يردوه بعد وفاته بخلاف ما بعد الموت ، لأنه بعد ثبوت الحق فليس لهم أن يرجعوا عنه لأن الساقط متلاش ، غاية الأمر أنه يسند عند الإجازة ، لكن الاستناد يظهر في حق القائم وهذا قد مضى وتلاشى ، ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق فلو استند من كل وجه ينقلب حقيقة قبله والرضى ببطلان الحق لا يكون رضا ببطلان الحقيقة ، وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثاني :

                                                                                                        قال عليه السلام في حديث سعد : { الثلث ، والثلث كثير }بعد ما نفى وصيته بالكل ، والنصف ; قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " { عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قلت : يا رسول الله إن لي مالا كثيرا . وإنما ترثني ابنتي ، أفأوصي بمالي كله ؟ قال : لا . قال : فبالثلثين ؟ قال : لا ، قال : فالنصف ؟ قال : لا ، قال : فبالثلث ؟ قال : الثلث ، والثلث كثير ، إن صدقتك من مالك صدقة ، وإن نفقتك على عيالك صدقة ، وإن ما تأكل امرأتك من مالك صدقة ، وإنك أن تدع أهلك بخير ، أو قال : بعيش ، خير من أن تدعهم يتكففون الناس }انتهى .

                                                                                                        بلفظ مسلم ، رواه البخاري في سبعة مواضع من كتابه في " بدء الخلق في باب قوله عليه السلام : { اللهم أمض لأصحابي هجرتهم }" وفي " المغازي " ، وفي " الفرائض " ، وفي " الوصايا " ، وفي " كتاب المرضى " ، وفي " كتاب الطب " ، وفي " الدعوات " ، والباقون في " الوصايا " ، وقوله : أفأوصي بمالي كله ، عند البخاري ، ومسلم في " الوصايا " ومن عداه فلم يذكروا فيه الكل ، وإنما ذكروا الثلثين ، فما بعده ، ورواه ابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه في " مسنديهما " بلفظ المصنف سواء ، حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه { عن سعد ، قال : عادني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : أوصي بمالي كله ؟ قال : [ ص: 494 ] لا ، قلت : فالنصف ؟ قال : لا ، قلت : فالثلث ؟ قال : نعم ، والثلث كثير }انتهى . وكذلك رواه البخاري في " كتابه المفرد في الأدب " ، والله أعلم ; وروى البخاري ، ومسلم في " الفضائل " { عن مصعب بن سعد عن أبيه ، قال : أنزلت في آيات من القرآن ، فذكره ، إلى أن قال : ومرضت ، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني ، فقلت : يا رسول الله دعني أقسم مالي حيث شئت ، قال : فأبى ، قلت : فالنصف ؟ قال : فأبى ، قلت : فالثلث ؟ قال : وسكت ، فكان بعد الثلث جائزا } ، مختصرا .

                                                                                                        الحديث الثالث : قال المصنف : وقد جاء في الحديث : { الحيف في الوصية من أكبر الكبائر } ، وفسروه بالزيادة على الثلث ، وبالوصية للوارث ; قلت : غريب ; وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عمر بن المغيرة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الإضرار في الوصية من الكبائر } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن مردويه في [ ص: 495 ] تفسيره " بلفظ : { الحيف في الوصية من الكبائر } ، ورواه العقيلي في " ضعفائه " بلفظ الدارقطني ، وقال : لا يعرف أحدا رفعه غير عمر بن المغيرة المصيصي انتهى .

                                                                                                        وأخرجه النسائي في " التفسير " عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند به موقوفا ، وكذلك رواه الدارقطني ، ثم البيهقي ، قال البيهقي : هو الصحيح ، ورفعه ضعيف ; ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو خالد الأحمر ثنا داود بن أبي هند به موقوفا ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن داود بن أبي هند به موقوفا ، وزاد : ثم تلا : { غير مضار وصية من الله }} انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الطبري عن جماعة رووه عن داود بن أبي هند ، فوقفوه : منهم يعقوب بن إبراهيم ، وابن علية ، ويزيد بن زريع ، وبشر بن المفضل . وابن أبي عدي ، وعبد الأعلى ، ولفظه : في حديث ابن أبي عدي ، وعبد الأعلى : { الحيف في الوصية من الكبائر }. وفي الباقي : { الضرار }. حديث في الباب :

                                                                                                        أخرجه أبو داود ، والترمذي عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن نصر بن علي الحداني عن الأشعث بن جابر حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الرجل ، ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية ، فتجب لهما النار ، قال : وقرأ أبو هريرة : { من بعد وصية يوصى بها أو دين }حتى بلغ : { الفوز العظيم } }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن ماجه من طريق عبد الرزاق ثنا معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بمعناه ، ورواه كذلك عبد الرزاق في " مصنفه " ، وعنه أحمد في " مسنده " ، ولفظ عبد الرزاق : { إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته ، فختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة ، ثم قرأ أبو هريرة ، إلى آخره }.




                                                                                                        الخدمات العلمية