الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1102 182 - حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس، قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قلت: إني أفعل ذلك، قال: فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك، ونفهت نفسك، وإن لنفسك حقا، ولأهلك حقا، فصم وأفطر، وقم ونم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وهو أمره صلى الله عليه وسلم بالصوم والإفطار، والقيام والنوم، ولا شك أنه يقتضي ترك التشديد في ذلك.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني .

                                                                                                                                                                                  الثاني: سفيان بن عيينة .

                                                                                                                                                                                  الثالث: عمرو بن دينار .

                                                                                                                                                                                  الرابع: أبو العباس اسمه السائب بالسين المهملة ابن فروخ بفتح الفاء وضم الراء المشددة وبالخاء المعجمة، الشاعر الأعمى.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السماع، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه أن شيخه من أفراده، وفيه أن سفيان وعمرا وأبا العباس مكيون ، وفيه عمرو عن أبي العباس ، وفي رواية الحميدي في مسنده: عن سفيان ، حدثنا عمرو ، سمعت أبا العباس .

                                                                                                                                                                                  (ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره):

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في "الصوم" عن عمرو بن علي ، وفي "أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" عن خلاد بن يحيى ، وأخرجه مسلم في "الصوم" عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان نحو حديث علي ، وعن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، وعن محمد بن حاتم ، وعن عبيد الله بن معاذ ، وعن أبي كريب ، وأخرجه الترمذي فيه: عن هناد ، عن وكيع ، وفي بعض النسخ عن قتيبة بدل هناد ، وأخرجه النسائي فيه: عن علي بن الحسن الدرهمي ، وعن محمد بن عبد الأعلى ، وعن إبراهيم بن الحسن ، وعن محمد بن عبيد الله ، وعن محمد بن بشار ، وعن أحمد بن إبراهيم ، وأخرجه ابن ماجه فيه، عن علي بن محمد بالقصة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألم أخبر " الهمزة للاستفهام ولكنه خرج من الاستفهام الحقيقي، فمعناه هنا حمل المخاطب على [ ص: 212 ] الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته.

                                                                                                                                                                                  وقوله: " أخبر " على صيغة المجهول لنفس المتكلم وحده.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أنك " بفتح الهمزة ; لأنه مفعول ثان للإخبار.

                                                                                                                                                                                  قوله: " الليل " منصوب على الظرفية، وكذلك النهار.

                                                                                                                                                                                  قوله: " هجمت " بفتح الجيم أي غارت أو ضعف بصرها لكثرة السهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ونفهت " بفتح النون وكسر الفاء أي كلت وأعيت، وقيده الشيخ قطب الدين بفتح الفاء، وحكى الإسماعيلي : أن أبا يعلى رواه بالتاء المثناة من فوق بدل النون، وقال: إنه ضعيف، وزاد الداودي بعد قوله: " هجمت عينك، ونحل جسمك، ونفهت نفسك " قوله: " وإن لنفسك حقا " يعني ما يحتاج إليه من الضرورات البشرية مما أباحه الله إلى الإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه ; لتكون أعون على عبادة ربه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ولأهلك حقا " يعني من النظر لهم فيما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة، والمراد من الأهل الزوجة أو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته، وسيأتي في الصيام زيادة فيه من وجه آخر نحو قوله: " وإن لعينك عليك حقا "، وفي رواية: " فإن لزورك عليك حقا " المراد من الزور الضيف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حقا " في الموضعين بالنصب ; لأنه اسم إن وخبره مقدم عليه، وهو رواية الأكثرين، وفي رواية كريمة بالرفع فيهما، ووجهه أن يكون " حق " مرفوعا على الابتداء، وقوله: " لنفسك " مقدما خبره والجملة خبر إن، واسم إن ضمير الشأن محذوفا تقديره إن الشأن لنفسك حق ونظيره، قوله عليه الصلاة والسلام: " إن من أشد الناس عذابا يوم القيام المصورون " الأصل إنه أي إن الشأن.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فصم وأفطر " أي إذا كان الأمر كذلك فصم في بعض الأيام وأفطر في بعضها، وكان هذا إشارة إلى صوم داود صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وقم " بضم القاف أمر من قام بالليل لأجل العبادة، أي في بعض الليل، أو في بعض الليالي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ونم " بفتح النون أمر من النوم، أي في بعض الليل، وهذا كله أمر ندب وإرشاد.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه جواز تحديث المرء بما عزم عليه من فعل الخير، وفيه تفقد الإمام أمور رعيته كلياتها وجزئياتها وتعليمهم ما يصلحهم ، وفيه تعليل الحكم لمن فيه أهلية ذلك، وفيه أن الأولى في العبادات تقديم الواجبات على المندوبات، وفيه أن من تكلف الزيادة وتحمل المشقة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب ، وربما يغلب ويعجز، وفيه الحض على ملازمة العبادة من غير تحمل المشقة المؤدية إلى الترك ; لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهيته التشديد لعبد الله بن عمرو على نفسه حض على الاقتصاد في العبادة، كأنه قال له: اجمع بين المصلحتين ; فلا تترك حق العبادة ولا المندوب بالكلية، ولا تضيع حق نفسك وأهلك وزورك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية