الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1152 233 - حدثنا محمود، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه صلى صلاة قال: إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان عليه السلام: رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا .

                                                                                                                                                                                  ثم قال النضر بن شميل : فذعته بالذال، أي: خنقته، وفدعته من قول الله تعالى: يوم يدعون أي: يدفعون، والصواب فدعته إلا أنه كذا قال بتشديد العين والتاء.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (فدعته); لأن معناه دفعته في قول على ما نذكره، عن قريب، وكان ذلك عملا يسيرا، وقد مر الحديث في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد، فإنه أخرجه هناك، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن روح ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد إلى آخره، وشبابة بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الباء الموحدة، وبعد الألف باء أخرى مفتوحة، وفي آخره هاء ابن سوار الفزاري مر في آخر كتاب الحيض، ولفظه هناك: أن عفريتا من الجن تفلت علي.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: (فشد علي) ، أي: حمل، يقال: شد في الحرب يشد بالكسر، وضبطه بعضهم بالمعجمة أعني الدال، وأظن أنه غلط.

                                                                                                                                                                                  قوله: (يقطع الصلاة) ، جملة وقعت حالا، وهذه رواية الحموي، والمستملي ، وفي رواية غيرهما: ليقطع، بلام التعليل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فذعته) الفاء للعطف، وذعته فعل ماض للمتكلم وحده، بالذال المعجمة من الذعت بالذال المعجمة، والعين المهملة، والتاء المثناة من فوق، وهو الخنق، ويروى: فدعته من الدع بالدال، والعين المهملتين، وهو الدفع، ومنه. قوله تعالى: يوم يدعون إلى نار جهنم أي: يدفعون، وعلى هذا أصل دعت دععت، وأدغم العين في التاء، ويقال: معنى ذعته بالمعجمة مرغته في التراب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولقد هممت) ، أي: قصدت.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أن أوثقه) ، كلمة " أن " مصدرية، أي: قصدت أن أربطه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلى سارية) ، أي: أسطوانة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فتنظروا) ، وفي رواية الحموي، والمستملي : أو تنظروا إليه، بكلمة الشك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (خاسئا) نصب على الحال، أي: مطرودا متحيرا، وههنا أسئلة:

                                                                                                                                                                                  الأول: في أي صورة عرض له الشيطان ؟ (قلت): روى عبد الرزاق أنه كان في صورة هر، وهذا معنى قوله: (فأمكنني الله منه)، أي: صوره لي في صورة هر مشخصا يمكنه أخذه.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 287 ] الثاني: قيل: مجرد هذا القدر يعني ربطه إلى سارية لا يوجب عدم اختصاص الملك لسليمان عليه الصلاة والسلام إذ المراد بملك لا ينبغي لأحد من بعده: مجموع ما كان له من تسخير الرياح، والطير، والوحش، ونحوه، وأجيب بأنه أراد الاحتراز عن الشريك في جنس ذلك الملك.

                                                                                                                                                                                  الثالث: ثبت أن الشيطان يفر من ظل عمر رضي الله تعالى عنه، وأنه يسلك فجا غير فجه، ففراره عنه صلى الله عليه وسلم بالطريق الأولى، وأجيب بأن المراد من فراره من ظل عمر ليس حقيقة الفرار بل بيان قوة عمر وصلابته على قهر الشيطان، وهنا صريح أنه صلى الله عليه وسلم قهره، وطرده غاية الإمكان، وفي بعض النسخ عقيب الحديث عن النظر من شميل : فذعته، بالذال، أي: خنقته، وفدعته من قول الله عز وجل: يوم يدعون أي: يدفعون، والصواب: فدعته، أي: بالمهملة، إلا أنه كذا قال بتشديد العين والتاء.

                                                                                                                                                                                  (ومما يستفاد منه):

                                                                                                                                                                                  أن العمل اليسير لا يفسد الصلاة ، وأخذوا من ذلك جواز أخذ البرغوث، والقملة، ودفع المار بين يديه، والإشارة، والالتفات الخفيف، والمشي الخفيف، وقتل الحية والعقرب، ونحو ذلك، وهذا كله إذا لم يقصد المصلي بذلك العبث في صلاته، ولا التهاون بها، وممن أجاز أخذ القملة وقتلها في الصلاة الكوفيون ، والأوزاعي . وقال أبو يوسف : قد أساء، وصلاته تامة، وكره الليث قتلها في المسجد، ولو قتلها لم يكن عليه شيء، وقال مالك : لا يقتلها في المسجد، ولا يطرحها فيه، ولا يدفنها في الصلاة، وقال الطحاوي : لو حك بدنه لم يكره كذلك أخذ القملة، وطرحها، ورخص في قتل العقرب في الصلاة ابن عمر ، والحسن ، والأوزاعي ، واختلف قول مالك فيه، فمرة كرهه، ومرة أجازه. وقال: لا بأس بقتلها إذا آذته، وكذا الحية والطير يرميه بحجر يتناوله من الأرض فإن لم يطل ذلك لم تبطل صلاته، وأجاز قتل الحية، والعقرب في الصلاة الكوفيون ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وكره قتل العقرب في الصلاة إبراهيم النخعي ، وسئل مالك عمن يمسك عنان فرسه في الصلاة، ولا يتمكن من وضع يديه بالأرض، قال: أرجو أن يكون خفيفا، ولا يبعد ذلك.

                                                                                                                                                                                  وروى علي بن زياد عن مالك في المصلي يخاف على صبي يقرب من نار، فذهب إليه، فقال: إن انحرف عن القبلة ابتدأ، وإن لم ينحرف بنى، وسئل أحمد عن رجل أمامه سترة فسقطت فأخذها وركزها. قال: أرجو أن لا يكون به بأس، فذكر له عن ابن المبارك أنه أمر رجلا صنع ذلك بالإعادة، قال: لا آمره بالإعادة، وأرجو أن يكون خفيفا، وأجاز مالك والشافعي حمل الصبي في الصلاة المكتوبة ، وهو قول أبي ثور . (قلت): عندنا يكره حمل الصبي في الصلاة، وإن كان بعذر لا يكره.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية