الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1161 242 - حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهي عن الخصر في الصلاة. وقال هشام ، وأبو هلال ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  243 - حدثنا عمرو بن علي ، قال: حدثنا يحيى ، قال: حدثنا هشام ، قال: حدثنا محمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهي أن يصلي الرجل مختصرا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث بطرقه للترجمة ظاهرة، والكلام فيه على أنواع - الأول في رجاله، وهم تسعة -:

                                                                                                                                                                                  الأول: أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي الملقب بعارم .

                                                                                                                                                                                  الثاني: حماد بن زيد .

                                                                                                                                                                                  الثالث: أيوب بن أبي تميمة السختياني .

                                                                                                                                                                                  الرابع: محمد بن سيرين .

                                                                                                                                                                                  الخامس: هشام بن حسان أبو عبد الله القردسي ، بضم القاف، مات سنة سبع وأربعين ومائة.

                                                                                                                                                                                  السادس: أبو هلال محمد بن سليم الراسبي بالراء، وبالسين المهملة، وبالباء الموحدة، مات سنة سبع وستين ومائة.

                                                                                                                                                                                  السابع: عمرو بن علي الصيرفي الفلاس .

                                                                                                                                                                                  الثامن: يحيى بن سعيد القطان .

                                                                                                                                                                                  التاسع: أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                  (النوع الثاني في لطائف إسناده) هذه الطرق فيها التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع، وفيها العنعنة في سبعة مواضع، وفيها القول في ستة مواضع، وفيها أن رواتها بصريون ، وفيها أبو هلال ، وقد أدخله البخاري في الضعفاء، واستشهد به هاهنا، وروي له في كتاب القراءة خلف الإمام وغيره، وفيها أن الطريق الأول مسند، ولكنه موقوف ظاهرا، ولكن في الحقيقة مرفوع; لأن قوله: (نهي)، وإن كان، بضم النون على صيغة المجهول، لكن الناهي هو النبي صلى الله عليه وسلم كما في الطريق الثاني، وهو رواية هشام ، وقد وصلها البخاري ، لكن وقع في رواية أبي ذر ، عن الحموي ، والمستملي : "نهى "، بفتح النون على البناء للفاعل، ولكنه لم يسمه، وقد رواه مسلم ، والترمذي من طريق أبي أسامة ، عن هشام بلفظ: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل مختصرا .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 297 ] النوع الثالث: فيمن أخرجه غيره، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، وأبي خالد الأحمر ، وعن الحكم بن موسى ، عن ابن المبارك . ورواه أبو داود ، عن يعقوب بن كعب ، عن محمد بن سلمة الحراني . ورواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن أبي أسامة ، عن هشام بن حسان . ورواه النسائي ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، وعن إسحاق بن إبراهيم ، عن جرير بن عبد الحميد .

                                                                                                                                                                                  النوع الرابع: في اختلاف ألفاظه، ففي إحدى روايتي البخاري : نهي عن الخصر، وفي الأخرى: مختصرا، وفي رواية أبي ذر ، عن الكشميهني : مخصرا، بتشديد الصاد، وفي رواية النسائي : متخصرا بزيادة التاء المثناة من فوق، وفي رواية أبي داود : نهي عن الاختصار، وفي رواية البيهقي : نهي عن التخصر.

                                                                                                                                                                                  النوع الخامس: في معناه، وقد ذكرنا أن الخصر، وضع اليد على الخاصرة، وقوله: (مختصرا) من الاختصار، وقد فسره الترمذي بقوله: (والاختصار هو أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة)، وكأنه أراد نفس الاختصار المنهي عنه، وإلا فحقيقة الاختصار لا تتقيد بكونها في الصلاة، وفسره أبو داود عقيب حديث أبي هريرة ، فقال: يعني أن يضع يده على خاصرته، وما فسره به الترمذي فسره به محمد بن سيرين راوي الحديث فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن محمد ، وهو أن يضع يده على خاصرته، وهو يصلي، وكذا فسره هشام فيما رواه البيهقي في سننه عنه، وحكى الخطابي وغيره قولا آخر في تفسير الاختصار، وهو أن يمسك بيديه مخصرة، أي: عصا يتوكأ عليها، وأنكره ابن العربي ، وعن الهروي في الغريبين، وابن الأثير في النهاية، وهو أن يختصر السورة فيقرأ من آخرها آية، أو آيتين، وحكى الهروي أيضا، وهو أن يحذف في الصلاة، فلا يمد قيامها، وركوعها، وسجودها، وقيل: يختصر الآيات التي فيها السجدة في الصلاة فيسجد فيها، والقول الأول: هو الأصح، ويؤيده ما رواه أبو داود ، حدثنا هناد بن السري ، عن وكيع ، عن سعيد بن زياد ، عن زياد بن صبيح الحنفي قال: صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله: (هذا الصلب) ، أي: شبه الصلب; لأن المصلوب يمد باعه على الجذع، وهيئة الصلب في الصلاة أن يضع يديه على خاصرته، ويجافي بين عضديه في القيام.

                                                                                                                                                                                  النوع السادس: في الحكمة في النهي عن الخصر فقيل: لأن إبليس أهبط مختصرا، رواه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفا. قيل: لأن اليهود تكثر من فعله، فنهي عنه كراهة للتشبه بهم، أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل من رواية أبي الفتح ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها كانت تكره أن يضع يده على خاصرته تقول: إن اليهود تفعله.

                                                                                                                                                                                  زاد ابن أبي شيبة في رواية له في الصلاة، وفي رواية أخرى لا: تشبهوا باليهود، وقيل: لأنه راحة أهل النار، كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه، عن مجاهد قال: وضع اليدين على الحقو استراحة أهل النار . وروى ابن أبي شيبة أيضا من رواية خالد بن معدان ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها رأت رجلا واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار في النار . وهذا منقطع، وقد جاء ذلك من حديث مرفوع. رواه البيهقي من رواية عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار ، وظاهر هذا الإسناد الصحة إلا أن الطبراني رواه في الأوسط فأدخل بين عيسى بن يونس ، وبين هشام عبد الله بن الأزور ، وقال: لم يروه عن هشام إلا عبد الله بن الأزور . تفرد به عيسى بن يونس، وعبد الله بن الأزور ضعفه الأزدي ، والله أعلم، وقيل: لأنه فعل المختالين والمتكبرين، قاله المهلب بن أبي صفرة ، وقيل: لأنه شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في المآثم، قاله الخطابي .

                                                                                                                                                                                  النوع السابع: في حكم الخصر في الصلاة اختلفوا فيه فكرهه ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وأبو مجلز ، وآخرون، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، والأوزاعي ، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عملا بظاهر الحديث.

                                                                                                                                                                                  (أسئلة وأجوبة) منها ما قيل: أن حديث أم قيس بنت محصن عند أبي داود من رواية هلال بن يساف قال فيه: فدفعنا [ ص: 298 ] إلى وابصة بن معبد ، فإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن، وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه ، انتهى. يعارض قول من يفسر الاختصار المنهي عنه بإمساك المصلي مخصرة يتوكأ عليها، وأجيب بأن هذا الحديث لا يصح، فلا يقاوم الحديث المتفق عليه، والحديث وإن كان أبو داود سكت عنه، فإنه رواه عن عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر الوابصي ، عن أبيه، وعبد الرحمن بن صخر هذا لم يروه عنه سوى ولده عبد السلام . قاله الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام.

                                                                                                                                                                                  وقال المزي في التهذيب: إن عبد السلام لم يدرك أباه، وجواب آخر هو أن يكون النهي في حق من فعله بغير عذر بل للاستراحة، وحديث أم قيس محمول على من فعل ذلك لعذر من كبر السن والمرض، ونحوهما، وهكذا قال أصحابنا، واستدلوا به على أن الضعيف والشيخ الكبير إذا كان قادرا على القيام متكئا على شيء يصلي قائما متكئا ولا يقعد.

                                                                                                                                                                                  وروى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا مروان بن معاوية ، عن عبد الرحمن بن عراك بن مالك ، عن أبيه، قال: أدركت الناس في شهر رمضان يربط لهم الحبال يتمسكون بها من طول القيام . وحدثنا وكيع ، عن عكرمة بن عمار رضي الله تعالى عنه، عن عاصم بن سميح قال: رأيت أبا سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه يصلي متكئا على عصا ، وحدثنا وكيع ، عن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيت أبا بكر بن أبي موسى يصلي متكئا على عصا، ومنها ما قيل أن صاحب الإكمال ذكر في حديث آخر: المختصرون يوم القيامة على وجوههم النور ، ثم قال: هم الذين يصلون بالليل، ويضعون أيديهم على خواصرهم من التعب. قال: وقيل: يأتون يوم القيامة معهم أعمال يتكئون عليها مأخوذ من المخصرة، وهي العصا، وأجاب عنه شيخنا زين الدين رحمه الله. هذا الحديث لا أعلم له أصلا، وهو مخالف للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك، وعلى تقدير وروده يكون المراد أن يكون بأيديهم مخاصر يختصرون، ويجوز أن تكون أعمالهم تجسد لهم كما ورد في بعض الأعمال، وفي حديث عبد الله بن أنيس : إن أقل الناس يومئذ المتخصرون ، أي: يوم القيامة. رواه أحمد في مسنده، والطبراني في الكبير في قصة قتله لخالد بن سفيان الهذلي ، وفي رواية الطبراني خالد بن نبيح من بني هذيل ، وأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه عصا، فقال: أمسك هذه عنك يا عبد الله بن أنيس ، وفيه أنه سأله: لم أعطيتني هذه ؟ قال: آية بيني وبينك يوم القيامة، وإن أقل الناس المتخصرون يومئذ، وفيه أنها دفنت معه . ومنها ما قيل: إنه ليس لأهل النار المخلدين فيها راحة، وكيف يذكر في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، أنه قال: الاختصار في الصلاة راحة أهل النار (وأجيب) بأن أهل النار في النار على هذه الحالة، ولا مانع من ذلك أنهم يختصرون لقصد الراحة، ولا راحة لهم في ذلك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية