الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمال حروف التهجي التي على حرفين; فلأنهم يقولون إذا بنوا منها فعلا: (هييت هاء)، و (حييت حاء)، وذلك دليل على أنهم اعتقدوا أن الألف منقلبة عن ياء، ومع ذلك فإنهم أرادوا بإمالتها الفرق بينها وبين الحروف، حسب ما قدمناه، وهي وإن كانت في هذه المواضع حروف تهج; فإنها قد تكون أسماء في نحو قولك: (الهاء حرف هار)، وشبهه، ومن خص الراء منهن بالإمالة; فلما تقدم من استعمال العرب الإمالة لها، ومن أجلها، ومن خص الياء; فلشبه الإمالة بها، وقد قالوا: (السيال) و (الهيال)، فأمالوا، ومن خص الهاء; فلشبهها بالياء في الخفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 262 ] وفتح هذه الحروف هو الأصل، فلا يحتاج إلى احتجاج لخروجه عن أصله، وكذلك الفتح في سائر المختلف فيه; لأن هذه الحروف جوامد، لا حظ لها في التصرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وإمالة التوراة [آل عمران: 3]; لأن أصله: (فوعلة) في قول البصريين، و (تفعلة) في قول الكوفيين، فهي (وورية)، أو (تورية)، فألفها منقلبة عن ياء.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما أولى لك فأولى [القيامة: 34]; فوزنها عند الخليل: (فعلى)، مشتق من (آل يؤول)، والمعنى: قارب أن يصير إلى الهلاك، وقال غيره: وزنها: (أفعل)، من (ولي)، فكأن المعنى: وليه المكروه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن كيسان: هي من (الويل)، فقولهم: (أولى له) بمنزلة: (ويل له)، فأصل أولى على هذا: (أويل)، فقلب، فالإمالة سائغة على الوجوه كلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما أنى [البقرة: 223] التي للاستفهام; فقال سيبويه: أمالوها; لأنها مثل: (أين) ; كـ (خلف)، وإنما هو اسم صار ظرفا، فقرب من (عطشى).

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 263 ] ابن مجاهد: يحتمل أن يكون وزنها: (فعلى)، و (أفعل)، واختار (فعلى)، فتمال إذا كانت (فعلى)، ولأبي عمرو بين اللفظين، وتفتح إذا كانت (أفعل)، وقد تجوز إمالتها قياسا على متى [البقرة: 214].

                                                                                                                                                                                                                                      وإمالة يا حسرتا [الزمر: 56]، و يا ويلتا [المائدة: 31]، و يا أسفى [يوسف: 84]; لأن أصل ألفهن ياء إضافة.

                                                                                                                                                                                                                                      فأما متى [البقرة: 214]; فهو ظرف، ومعناه: (أي حين؟)، قال سيبويه: وقد قرب من (عطشى)، قال: ولو سميت به رجلا، ثم ثنيته; لقلت: (متيان).

                                                                                                                                                                                                                                      فأما بلى [البقرة: 81]; فإنها أميلت; لتضمنها معنى الفعل; [من حيث كانت تقع جوابا بعده، وتوجب وتحقق بعد النفي، إذا قيل لك: لم يقم زيد، قلت: بلى; ولا معنى: بلى قام زيد، فأميلت; لتضمنها معنى الفعل]، وهي على ثلاثة أحرف، وقد قالوا: (يا زيد)، فأمالوا; لتضمنه معنى الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الكوفيون إلى أن أصلها: (بل)، فزيدت عليها ألف التأنيث; كما زيدت التاء في (لات)، و (ثمت)، وقالوا ذلك; لأن (بل) تستعمل للإضراب عما قبلها، والإيجاب لما بعدها، فلما كان ما بعد بلى يكون محققا موجبا; حملوها محمل (بل).

                                                                                                                                                                                                                                      فأما يحيى [مريم: 7] اسم النبي عليه السلام; فإن النحويين تكلفوا وزنه ووزن غيره من الأسماء التي كانت أعجمية في الأصل، ثم عربت; ليعلموا ما ألحق بالأبنية [ ص: 264 ] منها، فذهب الخليل في (يحيى) إلى أنه (يفعل)، وهو الظاهر، والأشبه به، وقد ذهب بعض النحويين إلى أنه (فعلى)، ولم يأت كون الفاء واللام ياء إلا في (يد)، أصلها: (يدي).

                                                                                                                                                                                                                                      و موسى [البقرة: 51]: يحتمل أن يكون (مفعل)، من (أسي) ; إذا حزن، أو من (أسوت الجرح) ; إذا أصلحته، ويحتمل أن يكون (فعلى)، من (ماس يميس); إذا مال، ومذهب سيبويه: أنه (مفعل)، واستدل على ذلك بصرفه في النكرة.

                                                                                                                                                                                                                                      واشتقاق عيسى [البقرة: 87] يجوز أن يكون من (العيس); وهو بياض الإبل، أو (العوس); وهو السياسة، فقلبت الواو منه ياء; لانكسار ما قبلها، ووزنه عند سيبويه: (فعلى)، وألفه للإلحاق، وألفه عند الكوفيين للتأنيث، ووزنه أيضا (فعلى).

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الشذائي: أن وزنه (فعلل)، وهو بعيد; لأن بنات الأربعة لا [ ص: 265 ] تكون الواو والياء أصلا فيها، فيجوز أن يكون أراد أنه ملحق بـ (فعلل).

                                                                                                                                                                                                                                      وإنما ذكرت مذاهب الناس في هذه الأسماء; ليعلم وجه إمالتها، وما يصنع به من يخص (فعلى) و (فعلى) و (فعلى) بالإمالة فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية