الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسلف رضوان الله عليهم كانت مناظرتهم مع الكفار وأهل البدع - كالخوارج وغيرهم - من القسم الأول، وكانت مناظرة بعضهم لبعض في مسائل الأحكام والتفسير: تارة من القسم الأول، وتارة من [ ص: 170 ] القسم الثاني، وهي المشاورة التي مدحهم الله عليها بقوله عز وجل وأمرهم شورى بينهم [سورة الشورى: 38] .

وما ذكره الله تعالى عن الأنبياء والمؤمنين من المجادلة يتناول هذا وهذا. وقد ذم الله تعالى في القرآن ثلاثة أنواع من المجادلة: ذم أصحاب المجادلة بالباطل ليدحض به الحق، وذم المجادلة في الحق بعد ما تبين، وذم المحاجة فيما لا يعلم المحاج.

فقال تعالى: وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق [سورة غافر: 5] .

وقال تعالى: يجادلونك في الحق بعدما تبين [سورة الأنفال: 6] .

وقال: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم [سورة آل عمران: 66] .

والذي ذمه السلف والأئمة من المجادلة والكلام هو من هذا الباب، فإن أصل ذمهم الكلام المخالف للكتاب والسنة، وهذا لا يكون في نفس الأمر إلا باطلا، فمن جادل به جادل بالباطل، وإن كان ذلك الباطل لا يظهر لكثير من الناس أنه باطل لما فيه من الشبهة، فإن الباطل المحض الذي يظهر بطلانه لكل أحد لا يكون قولا ومذهبا لطائفة تذب عنه، وإنما يكون باطلا مشوبا بحق، كما قال تعالى: [ ص: 171 ] لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون [سورة آل عمران: 71] .

أو تكون فيه شبهة لأهل الباطل، وإن كانت باطلة وبطلانها يتبين عند النظر الصحيح، كالذين قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن ومجنون، قالوا: إنه شاعر لأن الشعر كلام موزون مقفى فشبهوا القرآن به من هذا الوجه، والكاهن يخبر أحيانا بواحدة تصدق فشبهوا الرسول به من هذا الوجه، والمجنون يقول ويفعل خلاف ما في عقول ذوي العقول. فلما زعموا أن ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم يخالف ما يأتي به العقلاء نسبوه إلى ذلك.

لكن ما ينصبه الله من الأدلة، ويهدي إليه عباده من المعرفة، يتبين به الحق من الباطل الذي يشتبه به، ولكن ليس كل من عرف الحق - إما بضرورة أو بنظر - أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه، فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع، وما به يعرفه به غيره نوع، وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به، فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه، وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به. [ ص: 172 ]

ولهذا كان أهل العلم بالحديث لهم علوم ضرورية بأقوال الرسول ومقاصده، لا يشركهم فيها إلا من شركهم في أسبابها.

والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه، وإن كانوا في ذلك درجات.

وليس كل منهم يقوم بجميع ذلك، بل هذا يقوم بالبعض،، وهذا يقوم بالبعض، كما في نقل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من أمور الدين.

التالي السابق


الخدمات العلمية