الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            12000 - وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : بلغ عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا ، فتلقاهم في قرية له خارج المدينة ، وكره أن يدخلوا عليه - أو كما قال - فلما علموا بمكانه أقبلوا إليه فقالوا : ادع لنا بالمصحف ، فدعا - يعني به - فقال : افتح ، فقرأ حتى انتهى إلى هذه الآية : " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " ، فقالوا : أحمى الله أذن لك به أم على الله تفتري ؟ فقال : امض ، نزلت في كذا وكذا ، وأما الحمى فإن عمر حمى الحمى لإبل الصدقة ، فلما وليت فعلت الذي فعل ، وما زدت على ما زاد ، ولا أراه إلا قال : وأنا يومئذ ابن كذا وكذا سنة . قال : ثم سألوه عن أشياء جعل يقول : امضه ، نزلت في كذا كذا . ثم سألوه عن أشياء عرفها لم يكن عنده فيها مخرج ، فقال : أستغفر الله ثم قال : ما تريدون ؟ قالوا : نريد أن لا يأخذ أهل المدينة العطاء ، فإن هذا المال للذي قاتل عليه ، ولهذه الشيوخ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم . قال : فرضي ورضوا . قال : وأخذوا عليه . قال : وكتبوا عليه كتابا ، وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ، ولا يفارقوا جماعة . قال : فرضي ، ورضوا . قال : فأقبلوا معه إلى المدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله إني ما رأيت وفدا هم خير من هذا الوفد ، ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان [ ص: 229 ] له ضرع فليحتلبه ، ألا إنه لا مال لكم عندنا ، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهذه الشيوخ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : فغضب الناس وقالوا : هذا مكر بني أمية . ورجع الوفد راضين ، فلما كانوا ببعض الطريق إذا راكب يتعرض لهم ثم يفارقهم ويعود إليهم ويسبهم ، فأخذوه فقالوا : ما شأنك ؟ إن لك لشأنا ؟ قال : أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ، ففتشوه فإذا معه كتاب على لسان عثمان عليه خاتمه : أن يصلبهم ، أو يضرب أعناقهم ، أو يقطع أيديهم وأرجلهم ، قال : فرجعوا وقالوا : قد نقض العهد وأحل الله دمه . فقدموا المدينة ، فأتوا عليا فقالوا : ألم تر إلى عدو الله كتب فينا بكذا وكذا ؟ قم معنا إليه . فقال : والله لا أقوم معكم . قالوا : فلم كتب إلينا ؟ قال : والله ما كتب إليكم كتابا قط . فنظر بعضهم إلى بعض ، ثم قال بعضهم : ألهذا تقاتلون أم لهذا تغضبون ؟ وخرج علي فنزل قرية خارج المدينة ، فأتوا عثمان فقالوا : كتبت فينا بكذا وكذا ؟ فقال : إنما هما اثنتان أن تقيموا شاهدين ، أو يمين بالله ما كتبت ولا أمليت ولا علمت ، وقد تعلمون الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم . قال : فحصروه ، فأشرف عليهم ذات يوم فقال : السلام عليكم ، فما أسمع أحدا رد عليه إلا أن يرد رجل في نفسه ، فقال : أنشدكم بالله ، أعلمتم أني اشتريت رومة من مالي أستعذب بها ، فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين ؟ قيل : نعم . قال : فعلام تمنعوني أشرب من مائها حتى أفطر على ماء البحر ؟ قال : أنشدتكم بالله ، فهل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من مالي فزدته في المسجد ؟ قالوا : نعم . قال : فهل علمتم أن أحدا منع فيه الصلاة قبلي ؟ ثم ذكر شيئا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم . قال : وأراه ذكر كتابته المفصل بيده ، قال : ففشا الخبر ، وقيل : مهلا عن أمير المؤمنين .

                                                                                            قلت : روى الترمذي بعضه .

                                                                                            رواه البزار ، ورجاله رجال الصحيح غير أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو ثقة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية