الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما صنعه اللوازم وجوده، فهذا أنتم منازعون فيه، وقد بين غير واحد بطلان قولكم فيه. وحينئذ فتكونون قد عطلتموه عن كل فعل وصنع وإفاضة وإيجاب واقتضاء أزلا وأبدا.

وأما تعطيل الصنعة عن الصانع، فهذا ليس قولا معروفا لطائفة معروفة، بل الأمم المعروفون متفقون على أن الصنعة لا بد لها من صانع. وهذا ضروري في العقل.

وعلى قولكم: الحوادث دائما تحدث، وليس لها صانع، فإن العلة التامة في الأزل لا يحدث عنها شيء أصلا. وأيضا فإن الحوادث مختلفة في [ ص: 265 ] صفاتها ومقاديرها. كما أن الفلك مختلف في صفته وقدره.

والواحد البسيط من كل جهة يمتنع أن يصدر عنه ما هو مختلف في صفاته وأقداره، وإن جاز ذلك بطل قولهم: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد. وإذا بطل هذا القول بطل قولهم في صدور العالم عنه، سواء كان صادرا عنه بوسائط لازمة له بسيطة كالعقول، أو بغير وسائط أو بوسائط مختلفة، فكيف ما قدروه، فلا بد لهم من لوازم أجسام مختلفة في القدر والصفات عن واحد بسيط لا صفة له ولا فعل فيه.

وأيضا فما زمان من الأزمنة إلا وتحدث فيه حوادث مختلفة، وقد يختص بعض الأزمنة بحوادث ليست من جنس حوادث بقية الأزمنة، كحادث الطوفان وأمثاله، بل إرسال موسى عليه السلام، وما تبع رسالته من الحوادث، وإرسال محمد -صلى الله عليه وسلم- وما تبع رسالته من الحوادث، وأمثال ذلك، هي من الحوادث المختصة بزمان دون زمان، فإذا كان لا سبب للحوادث إلا ذات نسبتها إلى جميع الأزمنة سواء، ولوازمها التي نسبتها إلى جميع الأزمنة سواء، وقد قالوا لأجل هذا: يمتنع تخصيص زمان دون زمان بحدوث العالم، وقالوا: العالم قديم لذلك، ففي هذا القول من تخصيص بعض الأزمنة بحادث دون حادث، ما في ذلك القول وزيادات، فإن المعتزلة يقولون: التخصيص إنما وقع [ ص: 266 ] وقت إحداث العالم فقط، ثم التخصيص في سائر الأوقات كان أسباب حادثة في العالم.

وهؤلاء يقولون: لا تزال الأوقات تختص بالحوادث من غير سبب، مع أن نسبته إلى جميع الأوقات والحوادث واحدة. والأشعرية ونحوهم، وإن قالوا: إنه لا يزال يخص وقتا دون وقت بحدوث الحوادث، من غير سبب يقتضي التخصيص سوى محض الإرادة، التي نسبتها إلى جميع الأوقات والحوادث واحدة، فهم أطرد لقولهم من قولكم: إن نسبته إلى الأوقات واحدة، مع أنه لم يزل ولا يزال يخص كل وقت بحادث دون الآخر، مع استواء نسبته إلى الأوقات.

فأنتم مع قولكم بدوام الفعل وأزليته، في قولكم من مخالفة أصلكم أكثر مما في قول المعتزلة وقول الأشعرية.

وأيضا فمعلوم أن الحركات مختلفة، والمتحركات مختلفة، وليست الحركات كلها صادرة عن حركة الفلك الأطلس، بل لكل فلك، أو لكواكب كل فلك، حركة تخصه، فإن الناس يشهدون بعيونهم حركات الخمسة على خلاف حركات الثوابت، ويشهدون حركة الشمس والقمر والكواكب من المشرق إلى المغرب، على خلاف حركة الخمسة وحركة الثوابت.

التالي السابق


الخدمات العلمية