الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 94 ] عند الكلام على حديث { إنما الأعمال بالنيات } فذكروه في نية الوضوء ; 133 - وحاصله أن ترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية للخروج عن عهدة النهي ، 134 - وأما لحصول الثواب . [ ص: 95 ]

                فإن كان كفا ، وهو أن تدعوه النفس إليه قادرا على فعله فيكف نفسه عنه خوفا من ربه فهو مثاب ، 136 - وإلا فلا ثواب على تركه ، فلا يثاب على ترك الزنا وهو يصلي ، 137 - ولا يثاب العنين على ترك الزنا ، ولا الأعمى على ترك النظر إلى المحرم .

                التالي السابق


                ( 132 ) قوله : عند الكلام على حديث { إنما الأعمال بالنيات } حيث قالوا المراد بالأعمال ما يشتمل عمل القلب فيدخل فيه كف النفس في النهي فإنه عمل ، لكن اعتبار النية في التروك إنما هو لحصول الثواب لا للخروج عن عهدة النهي ، لأن مناط الوعيد بالعقاب في النهي هو فعل المنهي عنه ، فمجرد تركه كاف في انتفاء الوعيد .

                ومناط الثواب في المنهي عنه كف النفس عنه وهو عمل مندرج في الحديث .

                وعلى هذا ففرق الشافعي رحمه الله بين الوضوء وإزالة النجاسة ، بأن الوضوء فعل فيفتقر إلى النية ، وإزالة النجاسة من باب التروك فلا يفتقر إلى النية ، كترك الزنا ضعيف .

                فإن التكليف أبدا لا يقع إلا بالفعل الذي هو مقدور المكلف لا لعدم الفعل الذي هو غير مقدور وجوده قبل التكليف كما عرف في مقتضى النهي أنه كف النفس عن الفعل لا عدم الفعل فلهذا لا يثاب المكلف على التروك إلا إذا ترك قاصدا ، فلا يثاب على ترك الزنا إلا إذا كف نفسه عنه قصدا أما إذا اشتغل عنه بالنوم والعبادة وتركه بلا قصد فلا فرق بين الفعل والترك الموجبين للثواب والعقاب . ( 133 )

                قوله : وحاصله أن ترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية إلخ .

                لأن المكلف به في النهي الكف أي الانتهاء ، والترك من حيث هو هو غير مكلف به لأنه ليس بفعل والتكليف إنما يكون بالفعل وهو الذي تتناوله القدرة ، وإذا لم يكن مكلفا به لا يحتاج إلى النية في الخروج عن العهدة . ( 134 )

                قوله : وأما لحصول الثواب يعني فيحتاج إلى النية ; فعلى هذا يكون [ ص: 95 ] جواب أما محذوفا لدلالة سياق الكلام عليه ( 135 )

                قوله : فإن كان كفا : أقول حيث أول الترك بالكف فالثواب في الحقيقة ليس إلا على الفعل ; لما تقرر أن الكف فعل النفس فإن الفعل كما ينسب إلى الجوارح ينسب إلى النفس ، وحينئذ فالترك من حيث هو هو لا يتصور أن يكون مثابا عليه .

                فإن قيل لا نسلم أن الكف فعل بل هو تركه وتركه غيره ، فالجواب أنه فعل للنفس بدليل قوله تعالى { إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي حذيفة النسوائي { أي الأعمال خير ؟ فسكتوا فقال : حفظ اللسان } . ( 136 )

                قوله : وإلا فلا ثواب على ترك الزنا إلخ .

                تحقيقه كما في فصول البدائع للشمس الفناري : إن الترك بمعنى عدم الفعل لا يصح طلبه ، إما لأنه غير مقدور وإما لأنه لو كان مطلوبا لترتب عليه الثواب ، فيكون كل مكلف مثابا باعتبار عدم فعل المنهيات التي لا تحصى .

                ولا قائل به والمطلوب الفعل كفا كان أو غيره ( 137 )

                قوله : ولا يثاب العنين على ترك الزنا إلخ .

                قيل قد يقال إن العنة لا تنافي حصول الشهوة فإذا اشتهر المباشرة ولو بلا إيلاج فلم لا يثاب على الترك والكف فتأمل وقيل عليه أيضا قال في جامع الفتاوى : وذكر في بعض كتب الكلام أن توبة اليائس هل تعتبر ؟ اختلف فيه والأصح أنها تعتبر ، حتى إن من تاب عن شيء لا يقدر عليه ، [ ص: 96 ] كالمجبوب يتوب عن الزنا فإنه يعتبر فليتأمل فيها .

                قيل في مسألة الكتاب : ما خطر بباله فعل الزنا وهنا خطر بباله وتاب عنه ( انتهى ) .

                وأقول مراده بقوله خطر بباله أي مصمما على فعله لا مجرد الخطور فإنه لا يؤاخذ فضلا عن أن يتوب منه .

                بقي أن يقال لا يلزم من قبول التوبة حصول الثواب .




                الخدمات العلمية