الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ 2 ] مجابهـة التخريب والإفسـاد...

          وفي مقابل هـذا يندد القرآن بكل عمل أو نشاط خاطيء من شأنه أن يؤول إلى الفساد في الأرض، وإلى هـدم وتدمير المكتسبات التي يصنعها العمل الصالح بالصبر والدأب والمثابرة، وهو من موقفه هـذا يسعى إلى حماية منجزات الإنسان الحضارية، ووقف كل ما من شأنه أن يعوق مسيرتها ونموها، وملاحقة أية محاولة لإنزال الدمار بها من الداخل تحت شعار كانت.

          وهذه الحماية الحضارية لا تنصب على الجوانب المادية " المدنية " من الإنجاز البشري فقط، بل تتجه إلى ما هـو أكثر أهمية، وما يعد أساسا للإنجاز المادي نفسه تلك هـي المعطيات الفكرية والأخلاقية والروحية و " الثقافية " بمفهومها الشامل من أجل الصمود في المواقع التي بلغها الإنسان وهو يواصل طريقه لإعمار العالم، عبر سلسلة طويلة من كفاح مبعوثي الله تعالى إلى بني آدم. [ ص: 117 ]

          إن الإصلاح والإعمار المنوطين بالاستخلاف مسائل تتداخل فيها الفاعليات الحضارية، مادية وأخلاقية وروحية، وإن أي ضرر أو إفساد يلحق بأحدها ينعكس -بشكل أو بآخر- على الجوانب الأخرى، وهذا واضح في أكثر من آية:

          ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هـار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين * لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ) ( التوبة: 109 -110 ) .

          ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ... ) ( الأعراف: 56 ) ( ..... وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) ( الأعراف: 142 ) .

          ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) ( الروم: 41 ) .

          ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ( الرعد: 25 ) .

          ( ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ( الشعراء: 151 – 152 ) [ ص: 118 ]

          ( ... وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ... ) ( هـود: 88 ) .

          ( ... وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) ( المائدة: 64 ) .

          ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هـم كافرون ) ( هـود: 19 )

          والقرآن الكريم لا يكتفي بتقديم هـذه الأمور ذات الطابع السلبي عن الإفساد الروحي والمادي، وعما يؤول إليه من دماء لحضارة الإنسان، ولرقيه، وسعادته، وتقدمه، ومن عرقلة لدوره في العالم كخليفة عن الل،ه ولكنه يطلب من الجماعة المؤمنة أن " تتحرك " لوقفه بأسرع ما تستطيع، وبأقصى ما تطيق لئلا يتحول " الفساد " إلى فتنة عمياء لا ترحم أحدا، ولا تبقي، وهي تدوم فوق رؤوس الجماعة كلها ظالما أو مظلوما: ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) ( الأنفال: 25 ) .

          ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه [ ص: 119 ] وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) (هـود: 116 - 117) إن الرؤية الإسلامية ترفض في موقفها من الحضارة أشد ما ترفض صيغ التجزئة والفصل، وإقامة الجدران بين مساحات التجربة البشرية، وترى فيها وحدة حيوية تسري فيها روح واحدة، وتغذيها دماء واحدة، وإن تجزئتها وعزل بعض جوانبها خلال العمل عن بعضها ليس خطأ فحسب، لكنه مسألة تكاد تكون مستحيلة إذا أردنا -مسبقا- أن نصل إلى نتائج صحيحة..

          التالي السابق


          الخدمات العلمية