الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          من نتـائج هـذه العـودة

          ولنا أن نتصور حجم النتائج المتمخضة عن هـذه العودة.. إن الإنسان بمجرد انتمائه الجاد إلى هـذا الدين، يضع نفسه وقدراته في سياق واحد، وتوجيه واحد، ومجرى واحد مع خلائق الله كافة، وسننه المذخورة في الطبيعة، ونواميسه العاملة في الكون.. إنه سيتجاوز مواقع الارتطام التي تفتت الطاقة وتضعف فاعليتها.. إلى الانسجام والتناغم مع السنن والنواميس، سوف يضيف إليها ويأخذ منها.. ومن هـذا الشد المتبادل ومن هـذا الوفاق.. من هـذا الأخذ والعطاء على الدرب الواحد، بالقانون الواحد، صوب الهدف الواحد.. يتحول الإنسان المؤمن إلى (طاقة) فذة في ميدان الفعل والإنجاز.. قدرة مذهلة في مجال العطاء والإبداع.. شعلة متوهجة يمتد إشعاعها إلى أعماق الذات فيضيئها ويدفعها، وإلى آفاق العالم فتتبين ملامح الطريق.. ليس ثمة تفتت في الطاقة، ولا غموض في الطريق، ولا ضياع للأهداف..

          يومها ينطلق المسلم، فردا وجماعة، بقوة اختزال مدهشة لمواضعات الزمان والمكان والتراب، وصولا إلى أهدافه المرتجاة..

          إن الوفاق الحركي بين الإنسان والكون لهو أحد مفتاحين كبيرين يفسران لنا كيف يتحقق صعود الإنسان، لا أقول إلى القمر، ولكن إلى أبعد منه: الآفاق البعيدة التي جاء هـذا الدين ليقود الإنسان إليها..

          فأما المفتاح الآخر فقد عرفناه قبل قليل: إنه ذلك السلم الذي تشرف [ ص: 33 ] درجته العليا على أرفع ما في العالم من قيم تشرف الإنسان وتسعده وتزكيه.. والتي تجعله يقف تجاه الله سبحانه: سعيدا، متوحدا، قديرا على الفعل والعطاء والإبداع..

          ومهما يكن من أمر فإن " المسافة " التي تفصل الإنسان عن " الأهداف " التي تنزل بها الإسلام، تظل متطاولة، متباعدة، صعبة، نائية، ولن يكون بمقدور أحد من الناس أن يجتازها بسهولة.. إنه لا بد من التحقق بالشروط التي بدونها لن يكون وصول أبدا إلى الأهداف.. وإن القرآن الكريم " ليحدثنا " في اثنتين من آياته البينات عن سبب في صد الكثيرين عن نداءات هـذا الدين.. وعن أن الصيرورة الزمنية، بما تحقق من تراكم الخبرة، ومزيد تألق في العقل، كفيلة بالإعانة على تجاوز المعضلة والإقتراب أكثر من الهدف المرتجي: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ... ) ( يونس: 39 ) .

          ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ... ) !! ( فصلت: 53 )

          ومعنى هـذا.. أن خبرة البشرية، التي تزداد تضخما، يوما بعد يوم، في الكم والنوع، والتي قد تبدو في كثير من الأحيان، منساقة وراء نداء الشيطان.. مغرورة.. منتفخة.. مارقة.. متبجحة.. هـي نفسها التي ستقرب أجيال بني آدم من الحق.. وهي نفسها التي ستريهم آيات الله في الأنفس والآفاق.. وهي نفسها التي ستعينهم على بلوغ الأهداف.. [ ص: 34 ]

          إن مرور الزمن بهذا المعنى، يدفع المسلمين اليوم -أو هـكذا يجب أن يكون- إلى مزيد من التفاؤل..

          وإن تراكم الخبرة ونمو معطيات الكشف والابتكار، ستقرب البشرية من الله..

          إن الزمن في خدمة هـذا الدين.. أو هـكذا يجب أن يكون..

          والآن.. ما هـي أبعاد " التحولات " أو " النقلات " التي نفذها الإسلام إزاء جيل الرواد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعاد بها تشكيل العقل البشري ودفعه إلى العطاء والإبداع ؟

          التالي السابق


          الخدمات العلمية