الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

في فقه التدين فهما وتنزيلا [الجزء الأول]

الدكتور / عبد المجيد النجار

المـقـدمـة

إن المتتبع لحركة الصحوة الإسلامية، التي تسعى منذ بعض العقود إلى أن يعاود الإسلام بسط سلطانه على جوانب الحياة كلها، يلحظ أن هـذه الحركة لم تحقق من الثمار، في أن تصير أحكام الإسلام واقعا في الحياة العملية للفرد والمجتمع، مثلما حققت من ثمار، في عودة الكثير من المسلمين إلى الوعي الصحيح بدينهم، وإلى فهمه الفهم الشمولي الموحد.

وليس من شك في أن مرحلة التنبيه تسبق منطقيا وزمنيا مرحلة التطبيق، في هـذه الصحوة الإسلامية، كما في كل دعوة مذهبية، مما يكسب الوعي والفهم فرصا للنضج أكثر من فرص التطبيق العملي. وليس من شك أيضا، أن تطبيق الأحكام الإسلامية في واقع الحياة الاجتماعية يواجه بصعوبات جمة، في أنماط الأنظمة القائمة في أغلب مناطق العالم الإسلامي، لا على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الاجتماعي أيضا، حيث استحكمت عادات وتقاليد وطرائق عيش، بعضها موروث من عهود الانحطاط، وبعضها وافد بالتقليد من حضارة الغرب، وكلها تصر الإصرار الشديد على البقاء. [ ص: 23 ] ولكن هـذه الأسباب الموضوعية لا نراها الأسباب الوحيدة، ولا حتى الأسباب الأقوى فعالية في تأخر الصحوة الإسلامية عن أن تثمر من الانفعال الاجتماعي العملي بأحكام الإسلام أكثر مما أثمرت إلى حد الآن، ونحسب أن من الأسباب الأقوى التي أدت إلى ذلك ما يرجع إلى طبيعة المنهج الذي تنتهجه الصحوة في العمل على بسط سلطان الإسلام في الواقع العملي للحياة.

إننا نرى منهج الإيقاظ والتوعية لغاية أن يعاود المسلمون الإيمان بدينهم والاعتزاز به كمنهج وحيد للحياة، هـو ذاته المنهج الذي يستعمل في كثير من الأحيان، في الدعوة لأن ينخرط المسلمون عمليا في حياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية العامة، في نماذج محكومة بأحكام الإسلام، ينسلخون بها من الأنظمة غير الإسلامية الضاربة عليهم، وهو منهج ينحو منحى التعميم والتجريد، وقد استحدث أصلا للتوعية والإقناع.

والحال أن العمل على تطبيق الأحكام الإسلامية في الواقع يحتاج إلى منهج آخر مختلف، يكون مبنيا على فقه تطبيقي، ليست غايته بسط حقائق الدين للإقناع، وإنما غايته تسهيل الطريق لتلك الحقائق لكي تصبح جارية في حياة الناس. ويبدأ هـذا الفقه من مرحلة الفهم، حيث ينبني بمقتضاه فهم الدين عقيدة وشريعة على أنه حقائق، ليست غايتها في ذاتها، وإنما غايتها في صيرورتها [ ص: 24 ]

واقعا سلوكيا، ثم يتم بذلك الفقه صياغة الأحكام الإسلامية صياغة تناسب معطيات الواقع المشخص، الذي يعيشه المسلمون في ظرفهم الزماني والمكاني، ثم يتم به بعد ذلك الإنجاز الفعلي لتلك الصياغة في شعاب الحياة المختلفة.

إن افتقار الصحوة الإسلامية إلى فقه منهجي ناضج لتوقيع الدين بحسب هـذه المراحل هـو الذي نراه سببا مهما في تأخر إثمارها في مجال التطبيق، ولذلك فإن الضرورة ملحة في سبيل ترشيد الصحوة ودفعها إلى غايتها، لقيام فقه منهجي ناضج تمارس به دعوتها العملية لبسط سلطان الدين في مختلف مظاهر الحياة.

ولسنا ندعي أن في هـذا الكتاب عرضا مستوفى لهذا الفقه المنهجي المرشد للصحوة عمليا، فذلك لا يتم إلا بتضافر جهود مخلصة من ذوي الكفاءة، الذين يحملون هـم الصحوة الإسلامية، ويتحملون واجب ترشيدها، بل كل ما فيه إثارة للمشكل، وتحسيس به، ولفت الانتباه إليه، عسى أن يكون مدعاة للاهتمام بفقه التدين، والتفكير فيه، من قبل من لم يكن على وعي به، أو من لم يكن على اقتناع بجدواه، حتى يصبح بذلك هـذا الفقه موضوعا للمطارحة التي تتقدم به في طريق النضج والإثمار.

هذا وإني لأدعو الله أن يجعل من صدق النية فيما أبديت من آراء ما يكون به التجاوز عما أكون قد وقعت فيه من خطأ، وأدعو [ ص: 25 ] المخلصين من أهل الدين والعلم إلى تصويب ذلك الخطأ والتنبيه إليه فالمؤمن مرآة المؤمن، وفوق كل ذي علم عليم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور عبد المجيد النجار [ ص: 26 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية