الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) إذا رهنه اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على دين له عليهما مثل أن يرهناه دارا لهما على ألف درهم له عليهما نص أحمد في رواية مهنا على أن أحدهما إذا قضى ما عليه ولم يقض الآخر أن الدار رهن على ما بقي . فظاهر هذا أنه جعل نصيب كل واحد [ رهنا ] بجميع الحق توزيعا للمفرد على الجملة لا على المفرد وبذلك جزم أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى وأبو الخطاب وهو المذهب عند صاحب التلخيص .

قال القاضي : هذا بناء على الرواية التي تقول : إن عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة . أما إذا قلنا بالمذهب الصحيح في حكم عقدين كان نصيب كل واحد مرهونا بنصف الدين قال : ويجوز أن يكون كل واحد منهما لما رهن صار كفيلا عن صاحبه فلا ينفك الرهن في نصيبه حتى يؤدي بجميع ما عليه ، وتأوله [ أيضا ] في موضع آخر على أن كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه فإذا قضى أحدهما لم ينفك حقه من الرهن ; لأنه مطالب بما ضمنه .

قال : وأما إن لم يضمن كل واحد منهما ما على صاحبه فله الرجوع بقدر حصته . وليس في كلام أحمد ما يدل على الضمان وقد نبه على ذلك الشيخ مجد الدين وقال : على هذا يصح الرهن ممن ليس الدين عليه وعلى الأول لا يصح ، وتأول القاضي أيضا في المجرد وابن عقيل وصاحب المغني كلام أحمد على أن الرهن انفك في نصيب الموفي للدين لكن ليس للراهن مقاسمة المرتهن [ ص: 253 ] لما عليه من الضرر لا لمعنى أن المعين يكون كلها رهنا وبمثل ذلك تأول صاحب المغني ما قاله أبو الخطاب والحلواني وغيرهما فيمن رهن عند رجلين فوفى أحدهما أنه يبقى جميعه رهنا عند الآخر وتأوله على المنع من المقاسمة وهو ضعيف لوجهين :

أحدهما : أن أحمد نص على أن الدار رهن على ما بقي .

والثاني : أن انفكاك أحد النصيبين وقبض صاحبه له لا يتوقف على المقاسمة فإن الشريك يقبض نصيبه المشترك من غير اقتسام ويكون قبضا صحيحا إذ القبض يتأتى في المشاع ويشبه هذه المسألة ما إذا كاتب عبدين له صفقة واحدة بعوض واحد ثم أدى أحدهما حصته من الكتابة هل يعتق أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يعتق وهو اختيار القاضي وأصحابه ; لأنه أدى ما يخصه فهو كما لو أدى أحد المشتريين حصته من الثمن فإنه يتسلم نصيبه تسليما مشاعا عند الأصحاب وما ذكره في المغني من منع التسليم في هذه المسألة فهو يرجع إلى أنه لا يتسلم العين كلها وهذا صحيح وقد صرح به القاضي في الخلاف والجامع الصغير .

والوجه الثاني : أنه لا يعتق واحد منهما حتى يؤديا جميع مال الكتابة وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى ونقل مهنا عن أحمد ما يشهد له واختلفوا في مأخذه فقيل ; لأن الكتابة عتق معلق بشرط فلا يقع إلا بعد كمال شرطه وهو هاهنا أداء جميع المال وهذا بعيد عن أصل أبي بكر ; لأنه يرى أن الكتابة عقد معاوضة محضة لا تعليق فيها بحال ، وقيل : لأن كل واحد منهم كفيل ضامن عن صاحبه فلا يعتق حتى يؤدي جميع ما عليه ، وقيل ; لأنها صفقة واحدة فلا تتبعض وهذا قد يرجع إلى الضمان أيضا كأنه التزم كل واحد منهما الألف عنه وعن صاحبه فيكون توزيعا للمفرد على الجملة إذ لو لم يلزم أحدهما أداء جميع المال [ لما ] وقف عتقه على أدائه . وقد اختلف كلام القاضي وابن عقيل في ضمان كل منهما عن الآخر فنفياه تارة وأثبتاه أخرى ، ونقل ابن منصور عن أحمد في رجل له على قوم حق أنه كتب في كتابهم أيهم شئت أخذت بحقي منه يأخذ أيهم شاء ومفهومه أن الغرماء لا ضمان بينهم بدون الشرط بكل حال .

التالي السابق


الخدمات العلمية