الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) قسمة الدين في ذمم الغرماء فإن قلنا القسمة إفراز صحت وإن قلنا بيع لم تصح وقد حكى الأصحاب في المسألة روايتين وهذا البناء متوجه على طريقه من طرد الخلاف في قسمة التراضي كالشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى مع أنه يميل إلى دخول الإجبار في قسمة الدين على الغرماء المتقاربين في الملاءة ; لأن الذمم عندنا تتكافأ بدليل الإجبار على قبول الحوالة على الملي وخص القاضي وابن عقيل الروايتين بما إذا كان الدين في ذمتين فصاعدا فإن كان في ذمة واحد لم تصح قسمته رواية واحدة وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين ويشهد لقوله أن القاضي في خلافه قال : إذا قبض أحد الشريكين من الدين بإذن شريكه اختص بما قبضه وفرق في موضع آخر بين الدين الثابت بعقد فيختص أحد الشريكين بما قبضه منه ولو بغير إذن وبين الثابت بإرث ونحوه فلا يختص .

وقد نص أحمد في رواية ابن منصور على الاشتراك في ثمن الطعام المشترك ونص في روايته على جواز القسمة بالتراضي في الذمة الواحدة وسلك صاحب المغني في توجيه الروايتين في المسألة طريقة ثانية وهي أن قبض أحد الشريكين من الدين المشترك هل هو قسمة للدين أو تعيين لحقه بالأخذ كالإبراء فإن قلنا هو قسمة لم يجز لأحدهما الانفراد بالقبض فإن أذن الشريك فيه فوجهان :

أحدهما : يصح وينفرد به القابض ; لأن الحق لشريكه وقد أسقطه .

والثاني : لا يصح وهو قول أبي بكر ; لأن حق الشريك في الذمة لا في عين المال فلا ينفذ إذنه في قبض الأعيان . وفيه ضعف فإن الأعيان هي متعلق حقه وكذلك يتعلق حقوق غرماء المفلس بماله ، وإن قلنا ليس القبض قسمة جاز ; لأن حق الشريك في الذمة ولا ينتقل إلى العين إلا بقبض الغريم أو وكيله فقبض الشريك تعين لحقه لا غير فيختص به دون شريكه سواء كان بإذن الشريك [ ص: 416 ] أو بدونه .

وكذلك حكى صاحب المغني هذه الرواية وذكر عن أحمد ما يدل عليها وقد أنكرها أبو بكر عبد العزيز ويتوجه عندي في توجيه الروايتين طريقة ثالثة وهي أن أحد الشريكين إذا قبض من الدين فإنما قبض حقه المختص به لكن ليس له القبض دون شريكه لاشتراكهما في أصل الاستحقاق كغرماء المفلس فإذا قبض بدون إذن شريكه فهل لشريكه مقاسمته فيما قبضه أم لا ؟ على الروايتين فوجه المحاصة القياس على قبض بعض الشركاء من الأعيان المشتركة بدون قسمة كالمواريث أو من الأعيان المتعلق بها حقوقهم كمال المفلس ، ووجه عدم المحاصة أن المقبوض من الدين كله حق للقابض ولهذا لو أتلف في يده كان من نصيبه ولم يضمن لشريكه شيئا بخلاف القبض من الأعيان فعلى هذا الرواية لا فرق بين أن يقبض بإذن الشريك أو بدونه وعلى الأولى إن قبض بإذنه فهل له محاصة فيه ؟ على وجهين ; لأن حقه في المحاصة إنما ثبت بعد القبض فهو كإسقاط الشفعة قبل البيع والله أعلم وقد يقال : التراضي بقبض كل واحد منهما بعض الدين قسمة له ; لأن القسمة في الأعيان تقع في المحاسبة والأقوال في المنصوص فكذا في الديون وأما إن كان المشترك بعضه عينا وبعضه دينا فأخذ بعض الشركاء العين وبعضهم الدين وقد نص أحمد على جوازه مع الكراهة .

وحكاه عن ابن عباس وقال : لا يكون إلا في الميراث وخرجه الشيخ مجد الدين على القول بجواز بيع الدين من غير الغريم ; لأن هذه القسمة بيع بغير خلاف عنده وعلى ما ذكره الشيخ تقي الدين قد يطرد فيها الخلاف والله أعلم .

( ومنها ) قبض أحد الشريكين نصيبه من المال المشترك المثلي مع غيبة الآخر وامتناعه من الإذن بدون إذن الحاكم ، وفيه وجهان سبق ذكرهما في القواعد والوجهان على قولنا : القسمة إفراز فإن قلنا هي بيع لم يجز وجها واحدا فأما غير المثلي فلا يقسم إلا مع الشريك أو من يقوم مقامه كالوصي والولي والحاكم

التالي السابق


الخدمات العلمية