الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجواب الخامس: أن يقال قول المحتج: "كل ما يفرض له فإما أن تكون ذاته كافية في ثبوت حصوله أو لا تكفي في [ ص: 229 ] حصوله، وإلا لزم افتقاره إلى سبب منفصل" كلام باطل، وذلك أنه يقال: لا نسلم أن مالا يكون مجرد الذات كافية في ثبوته أو انتفائه يفتقر فيه إلى سبب منفصل، وإنما يلزم ذلك أن لو لم تكن الذات قادرة على ما يتصل بها من الأفعال، فإذا كانت قادرة على ذلك أمكن أن يكون ما يتجدد له من الثبوت موقوفا على ما يقوم بها من مقدوراتها، فليس مجرد الذات مقتضية لذلك، ولا افتقرت إلى سبب منفصل، وذلك أن لفظ "الذات" فيه إجمال واشتباه، وبسبب الإجمال في ذلك وقعت شبهة في مسائل الصفات والأفعال؟، فإنه يقال له: ما تريد بذاته؟ أتريد به الذات المجردة عما يقوم بها من مقدوراتها ومرادتها؟ أم تعني به الذات القادرة على ما تريده مما يقوم بها ومما لا يقوم بها؟

فإن أرادت به الأول كان التلازم صحيحا، فإنه إذا قدر ذات لا يقوم بها شيء من ذلك، كان ما يثبت لها وما ينفى عنها إن لم تكن هي كافية فيه، وإلا افتقرت إلى سبب منفصل، لأنه لا يقوم بها ما تقدر عليه وتريده، لكن يقال: ثبوت التلازم ليس بحجة إن لم تكن الذات في نفس الأمر كذلك، وكون الذات في نفس الأمر كذلك هو رأس المسألة، ومحل النزاع، فلا يكون الدليل صحيحا حتى يثبت المطلوب ولو ثبت المطلوب لم يحتج إلى الدليل، فتكون قد صادرت على [ ص: 230 ] المطلوب حيث جعلته مقدمة إثبات نفسه، وهذا باطل بصريح العقل واتفاق أهل العارفين بذلك.

وإن أردت بذات النوع الثاني لم يصح التلازم، فإنه إذا قدر ذات تقدر على أن تفعل الأفعال التي تختارها وتقوم بها، لم يلزم أن يكون ما يتجدد من تلك الأفعال موقوفا على سبب منفصل، ولا يكون مجرد الذات بدون ما يتجدد من مقدورها ومرادها كافيا في كل فرد من ذلك، بل قد يكون الفعل الثاني لا يوجد إلا بالأول، والأول بما قبله وهلم جرا، فليس مجرد الذات بدون ما تجدده كافيا في حصول المتأخرات، ولا هي مفتقرة في ذلك إلى أمور منفصلة عنها، فلفظ "الذات" قد يراد به الذات بما يقوم بها، وقد يراد به الذات المجردة عما يقوم بها.

التالي السابق


الخدمات العلمية