الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال: "فثبت أن أمر الله ونهيه وخبره صفات حقيقية، قائمة بذاته، مغايرة لذاته وعلمه، وأن الألفاظ الواردة في الكتب الإلهية دالة عليها.

وإذا ثبت ذلك وجب القطع بقدمها ؛ لأن الأمة على قولين في هذه المسألة: منهم من نفى كون الله موصوفا بالأمر والنهي والخبر بهذا المعنى، ومنهم من أثبت ذلك. وكل من أثبته موصوفا بهذه الصفات زعم أن هذه الصفات قديمة. فلو أثبتنا كونه تعالى موصوفا بهذه الصفات، ثم حكمنا بحدوث هذه الصفات، كان ذلك قولا ثالثا خارقا للإجماع، وهو باطل". [ ص: 326 ]

وأورد على نفسه أسئلة: فمنها قول القائل: "لم قلتم إن تلك المعاني قديمة. قولكم: كل من أثبت تلك المعاني أثبتها قديمة؟ قلنا: القول في إثباتها مسألة، والقول في قدمها مسألة أخرى، فلو لزم من ثبوت إحدى المسألتين ثبوت الأخرى، لزم من إثبات كونه تعالى عالما بعلم قديم، إثبات كونه تعالى متكلما بكلام قديم، وإن سلمنا أن هذا النوع من الإجماع يقتضي قدم كلام الله، لكنه معارض بنوع آخر من الإجماع، وهو أن أحدا من الأمة لم يثبت قدم كلام الله بالطريق الذي ذكرتموه، فيكون التمسك بما ذكرتموه خرقا للإجماع".

وذكر في جواب ذلك "قوله: لو لزم من إثبات هذه الصفة إثبات قدمها - لأن كل من قال بالأول قال بالثاني - لزم من القول بإثبات العلم القديم إثبات الكلام القديم ؛ لأن كل من قال بالأول قال بالثاني - قلنا: الفرق بين الموضعين مذكور في " المحصول " [ ص: 327 ] فإن المعتزلة يساعدوننا على الفرق بين الموضعين، فلا نطول قوله: إثبات قدم كلام الله بهذه الطريق على خلاف الإجماع.

قلنا: قد بينا في كتاب " المحصول " أن إحداث دليل لم يذكره أهل الإجماع لا يكون خرقا للإجماع".

قلت: المقصود أن يعرف أنه عدل عن الطريقة المشهورة، وهو أنه لو أحدثه في نفسه لكان محلا للحوادث - مع أنه عمدة ابن كلاب والأشعري ومن اتبعهما - لضعف هذا الأصل عنده، ولو اعتقد صحته لكان ذلك كافيا مغنيا له عن هذه الطريقة التي أحدثها.

وليس المقصود هنا الكلام في مسألة القرآن، فإن هذا مبسوط في مواضعه، وإنما الغرض التنبيه على اعتراف الفضلاء بأن هذا الأصل ضعيف.

وأما ضعف ما اعتمده في مسألة القرآن: فمبين في موضع آخر، فإن إثبات المقدمة الأولى فيها كلام ليس هذا موضعه، إذ كانت العمدة فيه على أمر الممتحن وخبر الكاذب.

والمنازع يقول: هذا إظهار للأمر والخبر، وإلا فهو في نفس الأمر لم يدل الخبر هنا على معنى في النفس. ولهذا يقول الله تعالى عن الكاذبين إنهم: [ ص: 328 ] يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم [ سورة الفتح: 11] فهم ينازعون في أن الكاذب قام بنفسه حكم أو دل لفظه على معنى في نفسه، بل أظهر الدلالة على معنى في نفسه كذبا.

التالي السابق


الخدمات العلمية