الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكلام السلف والأئمة ومن نقل مذهبهم في هذا الأصل كثير يوجد في كتب التفسير والأصول.

قال إسحاق بن راهويه: حدثنا بشر بن عمر: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرحمن على العرش استوى : أي ارتفع.

وقال البخاري في " صحيحه ": "قال أبو العالية استوى إلى السماء: ارتفع"، قال: "وقال مجاهد: استوى: علا على العرش". [ ص: 21 ]

وقال الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره المشهور: "وقال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: "استوى إلى السماء: ارتفع إلى السماء" وكذلك قال الخليل بن أحمد.

وروى البيهقي في كتاب الصفات قال: "قال الفراء: ثم استوى أي صعد، قاله ابن عباس، وهو كقولك للرجل: كان قاعدا فاستوى قائما".

وروى الشافعي في مسنده عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش".

والتفاسير المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وتفسير عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدحيم، وتفسير عبد الرحمن بن أبي حاتم، وتفسير أبي بكر [ ص: 22 ] بن المنذر، وتفسير أبي بكر عبد العزيز، وتفسير أبي الشيخ الأصبهاني، وتفسير أبي بكر بن مردويه، وما قبل هؤلاء التفاسير مثل تفسير أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وبقي بن مخلد وغيرهم، ومن قبلهم مثل تفسير عبد بن حميد وتفسير سنيد وتفسير عبد الرازق، ووكيع بن الجراح فيها من هذا الباب الموافق لقول المثبتين مالا يكاد يحصى، وكذلك الكتب المصنفة في السنة التي فيها آثار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة التابعين.

وقال أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله المعروفة التي نقلها عن أحمد وإسحاق وغيرهما، وذكر معها من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وغيرهم ما ذكر، وهو كتاب كبير صنفه على طريقة الموطأ ونحوه من المصنفات، قال في آخره في الجامع: "باب القول في المذهب: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم ممن [ ص: 23 ] جالسنا وأخذنا عنهم العلم" وذكر الكلام في الإيمان والقدر والوعيد والإمامة وما أخبر به الرسول من أشراط الساعة وأمر البرزخ والقيامة وغير ذلك - إلى أن قال: "وهو سبحانه بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان، ولله عرش، وللعرش حملة يحملونه، وله حد، والله أعلم بحده، والله على عرشه عز ذكره وتعالى جده ولا إله غيره، والله تعالى سميع لا يشك، بصير لا يرتاب، عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك ويسمع ويبصر وينظر ويقبض ويبسط ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويسخط ويغضب، ويرحم ويغفو ويغفر ويعطي ويمنع، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كيف شاء، وكما شاء، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير" - إلى أن قال: "ولم يزل الله متكلما عالما، فتبارك الله أحسن الخالقين".

وقال الفقيه الحافظ أبو بكر الأثرم في كتاب " السنة "، وقد نقله عنه الخلال في " السنة ": "حدثنا إبراهيم بن الحارث - يعني العبادي - حدثني الليث بن يحيى، سمعت إبراهيم بن الأشعث، قال أبو بكر - هو صاحب الفضيل - سمعت الفضيل بن عياض: يقول: "ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف ؛ لأن الله وصف نفسه فأبلغ فقال: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد [سورة الإخلاص] [ ص: 24 ] فلا صفة أبلغ مما وصف الله عز وجل به نفسه، وكل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الاطلاع، كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهم أن كيف وكيف وإذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء".

وقد ذكر هذا الكلام الأخير عن الفضيل بن عياض البخاري في كتاب " خلق الأفعال "، هو وغيره من أئمة السنة، وتلقوه بالقبول.

وقال البخاري: "وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي "أنا كافر برب يزول عن مكانه" فقل: "أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء".

قال البخاري: "وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال: "من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي".

التالي السابق


الخدمات العلمية