الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجواب السادس: أن يقال: قولهم إن لم يكن ذاته كافية في [ ص: 233 ] حصولها لزم افتقاره إلى سبب منفصل، وذلك يقضي إمكانه، فيكون الواجب ممكنا تمنع فيه المقدمة الأولى التلازمية التي هي شرطية متصلة، وذلك أن الذات إن لم تكن كافية في حصولها، إنما يلزم افتقار ذلك الحادث إلى سبب منفصل، لا يلزم افتقار نفس الذات إلى سبب منفصل، فإن المحتج يقول: كل صفة تفرض فذاته كافيه في حصولها أو لا حصولها، لأنه لو لم يكن كذلك لزم افتقاره إلى سبب منفصل.

فيقال له: بتقدير أن لا تكون الذات كافية في نفي تلك الصفة أو ثبوتها، يلزم أن يكون نفيها أن إثباته موقوفا على أمر غير الذات، وأما كون الذات تكون موقوفة على ذلك الغير، فهذا ليس بلازم من هذا التقدير، إلا أن يتبين أنه إذا كان شيء من الأمور التي توصف بها من السلب والإيجاب موقوفا على الغير، وجب أن يكون هو نفسه موقوفا على الغير، وهو لم يبين ذلك.

ومن المعلوم أن القائلين بهذا يقولون: إن ما يتجدد من الأمور القائمة به، فهو موقوف على مشيئته وقدرته، وذاته ليست موقوفة على مشيئته وقدرته، ويقولون: إنه يجوز أن يقف ذلك على ما يحدثه هو من الحوادث بمشيئته وقدرته، وهو في نفسه ليس موقوفا على ما يحدثه من الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، وليس في الوجود موجود سواه وسوى مخلوقاته حتى يقال إن تلك الأمور موقوفة عليه، بل غاية ما يمكن أن يقال إنها موقوفة على مشيئته وقدرته أو توابع مشيئته وقدرته.

وأصحاب هذا القول يقولون ذلك، وتكون تلك الأمور موقوفة على ذلك، لا يقتضي أن يكون هو نفسه موقوفا على ذلك، ولكن هذا المحتج إن لم [ ص: 234 ] يقرر مقدمات حجته لم تكن حجته صحيحة، وحجته مبنية على أنه لو لم تكف ذاته في حصول ما ينفي ويثبت للزم افتقاره إلى غيره، وإنما يلزم افتقار تلك المنفيات والمثبتات إلى ذلك الغير، فإن هذا بين، فإن لم يبن أن افتقار تلك الأمور إلى الغير مستلزم لافتقاره، وإلا لم تكن حجة صحيحة، لا سيما وتلك الأمور على هذا التقدير ليست من لوازم ذاته، فإنها لو كانت من لوازم ذاته كانت ذاته كافية فيها، ولوازم الذات متى افتقرت إلى الغير لزم افتقار الذات إلى الغير، فإن الملزوم لا يوجد إلا باللازم، واللازم لا يوجد إلا بذلك الغير، فالملزوم لا يوجد إلا بذلك الغير، ولكن ذلك الغير لا يجب أن يكون فاعلا أو علة فاعلة، بل يجوز أن يكون شرطا ملازما.

وقد بين في غير هذا الموضع أن نفس ذات الواجب إذا قيل: هي ملازمة لصفاته الواجبة له، أو صفاته الواجبة له ملازمة لذاته، أو كل من الصفات الواجبة ملازم للأخرى، كان هذا حقا وهو متضمن أن تحقيق كل من ذلك مشروط بتحقق الآخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية