الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3504 3707 - حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 303 ] عبيدة، عن علي- رضي الله عنه- قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون للناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي. فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى على علي الكذب. [فتح: 7 \ 71]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              له كنية ثانية وهي: أبو تراب، كناه بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رآه في المسجد نائما، ووجد رداءه قد سقط على ظهره، وخلص إليه التراب، كما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه- في أبواب المساجد، وروى عمار- رضي الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- قال له ذلك في غزوة العشيرة، رواه ابن إسحاق في "السيرة"، ورواه البخاري في "تاريخه" بالانقطاع، وأما الحاكم فصححه.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أنه- صلى الله عليه وسلم- إنما سماه بذلك أنه كان إذا عتب على فاطمة في شيء أخذ ترابا فيضعه على رأسه، فكان- صلى الله عليه وسلم- إذا رأى التراب عرف أنه عاتب على فاطمة فيقول: "مالك يا أبا تراب؟ ". والله أعلم أي ذلك كان.

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو محمد المنذري في "معجمه" من حديث حفص بن منيع ثنا سماك عن جابر- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما آخى بين الناس "لم أؤاخ بينك وبين أحد؟ " قال: نعم، قال: "أنت أخي، وأنا أخوك".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 304 ] وأبو طالب اسمه: عبد مناف، وقيل: اسمه كنيته.

                                                                                                                                                                                                                              أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، من كبار الصحابيات، ولدته بشعب بني هاشم وهو أول من آمن من الصبيان، وكان أخفى إسلامه-فأما الصديق فأظهره- وسنه ثماني سنين، وفيه أقوال أخر إلى عشرين، قال أبو عمر: وأصح ما قيل فيه ابن ثلاث عشرة.

                                                                                                                                                                                                                              بويع يوم مقتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.

                                                                                                                                                                                                                              قتله عبد الرحمن بن ملجم الفاتك، وإن ذكر في الصحابة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن يونس: وقرأ على معاذ بن جبل، وكان قتله في رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين، أو سبع أو ثمان وخمسين، وهو من المهاجرين الأولين، وخصائصه كثيرة ذكرتها في ترجمته موضحة في الكتاب المشار إليه فيما سلف، قال الإمام أحمد: لم يرو في فضائل الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائله مع قدم إسلامه.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري في الباب أحاديث معلقة ومسندة:

                                                                                                                                                                                                                              أولها:

                                                                                                                                                                                                                              قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي: "أنت مني وأنا منك".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 305 ] هذا الحديث أسنده بعد من حديث البراء قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني: من مكة فاتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم.. الحديث فذكره.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف مطولا في الصلح، وأخرجه الترمذي من حديث عمران ابن حصين بلفظ: "إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي"، ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه القاسم بن إسماعيل بن إبراهيم البصري في "فضائل الصحابة" من حديث بريدة مطولا فيه: "لا يقع في علي فإن عليا مني وأنا منه"، ومن حديث الحكم بن عطية ثنا محمد أن علي بن أبي طالب وجعفرا وزيدا دخلوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: "أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي، وأنت يا علي فأنت مني وأنا منك" الحديث، وفي حديث أبي رافع: "فقال جبريل: وأنا منكما يا رسول الله.. " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              فيه: فضيلة ظاهرة له، وأبو سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبوه شقيقان.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمر- رضي الله عنه-: توفي النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راض.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف في الباب قبله مسندا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 306 ] الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه.." الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سلمة عن علي مثله، وذلك يوم خيبر قال الحاكم في "إكليله": بعث- عليه السلام- أبا بكر إلى حصون خيبر فقاتل وجهد، ولم يكن فتح، فبعث عمر- رضي الله عنه- فلم يكن فتح، فأعطاها علي بن أبي طالب قال: رواه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غير سهل جماعة من الصحابة: أبو هريرة، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، والحسن بن علي، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعمران بن حصين، وأبو ليلى الأنصاري، وبريدة، وعامر بن أبي وقاص وآخرون، يطول ذكرهم.

                                                                                                                                                                                                                              ولفظه في حديث علي: "لأعطين الراية-أو ليأخذن الراية- غدا رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه"، وفي نسخة: "ويحبه الله ورسوله".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 307 ] وهو كذلك في رواية أخرى زيادة: "ليس بفرار، يفتح الله له خيبر"، قال علي: فوضع رأسي في حجره ثم بسق في إلية راحته ثم دلك بها عيني ثم قال: "اللهم لا يشتكي حرا ولا بردا" قال علي: فما اشتكيت عيني ولا حرا ولا قرا حتى الساعة.

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ: ودعا له ست دعوات، "اللهم أعنه و(استعن) به، وارحمه وارحم به وانصره وانصر به، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، وفي لفظ: قال: علام أقاتلهم؟ قال: "على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا فقد حقنوا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" قال ابن عباس: فكانت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك في المواطن كلها مع علي- رضي الله عنه-.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قالوا: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: "من عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها، علي بن أبي طالب".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 308 ] وروى أبو القاسم البصري في كتابه من حديث قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: "لأعطين الراية رجلا كرارا غير فرار" فقال حسان: يا رسول الله، تأذن لي أن أقول في علي شعرا قال: "قل" فقال :


                                                                                                                                                                                                                              وكان يبتغي أرمد العين يبتغي دواء فلما لم يخش مداويا حباه رسول الله منه بتفلة
                                                                                                                                                                                                                              فبورك مرقيا وبورك راقيا وقال سأعطي الراية اليوم صارما
                                                                                                                                                                                                                              فذاك محبا للرسول مواتيا يحب النبي والإله يحبه
                                                                                                                                                                                                                              فيفتح لنا تيك الحصون التواليا فأمضى بها دون البرية كلها
                                                                                                                                                                                                                              عليا وسماه الوزير المؤاخيا

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها)، وهو بدال مهملة ثم واو ثم كاف أي: يخوضون في ذلك ويتداولون الرأي فيه، والدوكة: الاختلاط والخوض يقال: بات القوم يدوكون إذا وقعوا في اختلاط.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("انفذ على رسلك") هو بكسر الراء أي: على هينتك.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث السالف في قوله: ("اجلس يا أبا تراب") مرتين وما كان له اسم أحب إليه منه، قوله: (فاستطعمت الحديث سهلا)، أي: سألته أن يحدثني.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 309 ] الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عمر- رضي الله عنهما- فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي- صلى الله عليه وسلم-. ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك.

                                                                                                                                                                                                                              معنى (أرغم الله بأنفك): أوقع الله بك سوءا، واشتقاقه من السقوط على الوجه فيلصق بالأرض بالرغام، وهو التراب. ومعنى: (بيته أوسط بيوت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-) أحسنها بناء ومن قال: (وسط) يقول: بينها. قاله الداودي.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث علي أن فاطمة- عليها السلام- شكت ما تلقى من أثر الرحا، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- سبي، وفي آخره "إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثة وثلاثين، فهو خير لكما من خادم".

                                                                                                                                                                                                                              وهي منقبة ظاهرة لهما.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟!".

                                                                                                                                                                                                                              هذا قاله لما خرج إلى تبوك ولم يستصحبه فقال: "تخلفني مع الذرية" فضرب له المثل في استخلاف موسى هارون على بني إسرائيل حين خرج إلى الطور، ولم يرد به الخلافة بعد الموت، وإنما كان خليفته في حياته في وقت خاص، فأمكن الأمر كذلك كمن ضرب به المثل.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 310 ] الحديث التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبيدة، عن علي- رضي الله عنه- قال: اقضوا كما كنتم تقضون.. إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              سبق أنه لما قدم إلى العراق قال: كنت رأيت مع عمر- رضي الله عنه- أن تعتق أمهات الأولاد، وقد رأيت الآن أن يسترققن، فقال عبيدة : رأيك يومئذ في الجماعة أحب إلي من رأيك اليوم في الفرقة، فقال: (اقضوا كما كنتم تقضون)، وخشي ما وقع فيه من تأويل أهل العراق.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فإني أكره الاختلاف) يعني: أن يخالف أبا بكر وعمر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى عن علي الكذب) وسببه أن كثيرا ممن روى عنه أهل الكوفة ليس لهم ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية