الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وأمة )

                                                                                                                            ش : أي لا نفقة لحمل أمة يريد والزوج حر بدليل قوله بعد : ولا على عبد ، قال ابن عبد السلام والمانع لها من النفقة كون ذلك رقيقا كما لو ولد ; لأنه إذا اجتمع موجبان من موجبات النفقة لشخص أخذ نفقة واحدة بأقوى الموجبين وسقط الموجب الآخر ، انتهى . وقال في طلاق السنة منها وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل منه ، انتهى . وقال اللخمي للحامل النفقة على زوجها إذا كانا حرين ، وإن كان عبدا وهي حرة لم يلزمه نفقة لحملها في البائن ، وكذلك إن كانت أمة والزوج حر ثم قال : فإن أعتق السيد الأمة لزمته النفقة ; لأن الحمل عتيق بعتق أمه ، ويختلف إذا عتق الحمل وحده ، فعلى القول على أنه لا يكون عتيقا إلا بالوضع تبقى النفقة على السيد ، وعلى أنه حر من الآن وفيه الغرة تكون النفقة على الأب ، انتهى من التبصرة . وطلاق السنة والقول الأول من القولين اللذين ذكرهما عليه اقتصر ابن يونس في كتاب أمهات الأولاد ، قال : قال ابن المواز من اشترى زوجة بعد أن أعتق السيد ما في بطنها فشراؤه جائز وتكون بما تضعه أم ولد ; لأنه عليه عتق بالشراء ولم يكن يصيبه عتق السيد إذ لا يتم عتقه إلا بالوضع ، ولأنها تباع في فلسه ويبيعها ورثته قبل الوضع إن شاءوا ، وإن لم يكن عليه دين والثلث يحملها ، انتهى . ولو ضربها رجل فألقته ميتا ; فإن فيه ما في جنين أمه ، ولو كان ذلك بعد أن اشتراها كان فيه ما في جنين الحرة وولاؤه إن استهل لأبيه ، ولا ينظر في ذلك كله إلى عتق السيد إلا أنه لا يشتريها أجنبي بعد عتق السيد جنينها من قبل أن يرهقه دين ويرد إن فعل ، انتهى . وقال في العتق الثاني من المدونة في الكلام على هذه الأمة : ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتا ففيه عقل جنين أمة ، بخلاف جنين أم الولد من سيدها فتلك في جنينها عقل جنين الحرة ; لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع وجنين أم الولد حر حين حملت به ، انتهى .

                                                                                                                            وهذا القول هو الذي يظهر من قوله في المختصر في باب الظهار لقوله إذا عتق الجنين لا يجزئه ويعتق بعد وضعه والله أعلم . وهذا أعني سقوط نفقة الأمة البائن الحامل عن زوجها الحر إنما يظهر - والله أعلم - إذا لم تكن الأمة جارية ولده أو أمه أو من يعتق ولد الأمة عليه ، وأما إن كانت الأمة لأحد هؤلاء فلم أر فيه نصا لأهل المذهب الآن ، والذي يظهر من تعليل ابن عبد السلام عدم لزوم النفقة لحمل الأمة بكون الولد رقا ، ومن بناء اللخمي لزوم النفقة وعدم لزومها فيما إذا أعتق السيد الجنين فقط على الخلاف في كونه حرا من الآن ، أو إنما يكون حرا بعد وضعه أن النفقة لازمة للزوج إذا كانت الأمة لمن يعتق ولد الزوج عليه ; لأن المذهب على أن الولد حر في بطن أمه ، قال في أمهات الأولاد من المدونة من اشترى زوجته لم تكن له أم ولد بما ولدت قبل الشراء إلا أن يبتاعها حاملا فتكون بذلك أم ولد ، ولو كانت لأبيه فابتاعها حاملا لم تكن له أم ولد بذلك الحمل ; لأن ما في بطنها قد عتق على جده ، بخلاف أمة الأجنبي ; لأن الأب لو أراد بيع أمته لم يجز له ذلك ; لأنه قد عتق عليه ما في بطنها ، والأجنبي لو أراد بيع أمة وهي حامل من زوجها جاز ذلك ودخل حملها في البيع معها ، وقال غيره لا يجوز للابن شراؤها من والده ، وهي حامل ; لأن ما في بطنها قد عتق على جده فلا يجوز أن تباع ، ويستثنى ما في بطنها ; لأن ذلك غرر ; لأنه وضع من ثمنها بما استثنى ، وهو لا يدري أيكون أم لا . ؟ فكما لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر فكذلك لا يستثنى انتهى .

                                                                                                                            قال ابن يونس وقول الغير هذا كله ليس بخلاف [ ص: 192 ] لابن القاسم ، وإنما تكلم ابن القاسم إذا اشتراها وفات ذلك كيف يكون الحكم ، وأما بدءا فليس له أن يبتاعها على قوله : فإن ابتاعها فسخ البيع إلا أن تضع الولد فيكون عليه قيمتها يوم قبضها على أن حملها حر ; لأنه بيع فاسد فات بالوضع ، ونحوه حكى بعض شيوخنا عن القابسي وكان يعيب قول من يجعله خلافا ، انتهى . وقال أبو الحسن الصغير انظر قول الغير هنا علل بكون المستثنى مشترى ( الشيخ ) وكذلك لو كان المستثنى مبقى في هذه المسألة لما جاز ; لأنه لا يتصرف فيه إلا بعد الوضع ففيه تحجير ، وقاعدتهم أنه متى آل الأمر إلى الفساد في أن المستثنى مبقى منعوا ، وكذلك إن آل الأمر إلى الفساد على أن المستثنى مشترى ، انظر الأكرية إذا باع دابة واستثنى ركوبها عشرة أيام لا يجوز ، وهو بناء على أن المستثنى مبقى ، وإن استثنى ركوبها ثلاثة أيام أجازه ; لأنه لا يئول الأمر فيه إلى فساد سواء كان المستثنى مبقى أو مستثنى ، انتهى .

                                                                                                                            ثم قال في المدونة : وهذا الجنين لا يرق ، ولا يلحقه دين ; لأنه عتق سنة وليس هو عتق اقتراب ابن القاسم ، ومن ابتاع زوجة والده حاملا انفسخ نكاح الأب إذ لا ينكح أمة ولده ، ولا تكون أم ولد للأب وتبقى رقيقا للابن ويعتق عليه ما في بطنها ، ولا يبيعها حتى تضع إلا أن يرهقه دين فتباع ، وهي حامل ، وقاله أشهب ، وقال غيره : لا تباع في الدين حتى تضع ; لأنه عتق سنة لا باقتراب ، انتهى . قال ابن يونس وهذا بخلاف من اشترى زوجته الحامل وهي أمة لأبيه ، عند ابن القاسم تلك أمة لا يرق حملها ، ولا يلحقه دين ، والفرق بينهما عنده والله أعلم أن الولد في المسألة الأولى خلق حرا لم يمسه رق ، وفي هذه قد مسه الرق في بطنها ، وإنما عتق باشتراء الولد بأمه فأشبه العتق المبتدأ ، وغيره لم يفرق بينهما ; لأنه كله عتق بسنة فوجب أن يتساوى الحكم فيهما فتأمل ذلك جميعه والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية