الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن أقر بفعل ثم حلف ما فعلت صدق بيمين بخلاف إقراره بعد اليمين )

                                                                                                                            ش : تصوره واضح ، قال البرزلي في مسائل الأيمان بعد نقله المسألة : وانظر إذا نكل هل يلزمه ما يلزمه في إقامة شاهد على الطلاق والظاهر أن إقراره أسد له واعلم أنه لا مفهوم لقول المصنف بفعل بل الحكم سواء في جميع الأشياء ولو قال : وإن أقر بشيء لكان أوضح ويشهد لما قلناه مسائل منها ما في رسم يشتري الدور والمزارع في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق وهي مشتملة على مسائل ونصها : وقال في الرجل يقول : إني حلفت بالطلاق أن لا أكلم فلانا فجاء قوم يشهدون أنهم حضروه يكلم ذلك الرجل بعد ما كان أقر أنه حلف أنه لا يكلمه ، فقال : امرأته طالق إن كنت حلفت وما كان الذي قلت إلا كذبة كذبتها ولقد كلمت فلانا وما علي يمين بطلاق ولا غيره أن لا أكلمه ، قال : يحنث ولا يدين لأن الفعل الذي أقر أنه حلف أن لا يفعله قد ثبت عليه أنه فعله بعد إقراره باليمين الذي زعم أنه حلف بها أن لا يفعل ذلك الفعل ، قال ومن قال : لقد كلمت فلانا اليوم أو أتيت فلانا أو أكلت طعام كذا وكذا ثم عوتب في بعض ذلك ، فقال : امرأته طالق إن فعل شيئا من ذلك فإنه يدين ويحلف بالله ما فعل الذي حلف أنه لم يفعله مما كان زعم أنه قد كان فعله وأنه إنما كان كذب أو لا ثم لا حنث عليه إلا أن تقوم عليه بينة بعد يمينه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك الشيء فتشهد البينة أنه فعل قبل أن يحلف فيحنث أو يقر بعد يمينه أنه قد كان فعله فيلزم الحنث أيضا بإقراره ، قال : ومن شهد عليه قوم بحق لرجل أو أنه فعل شيئا ينكره ، فقال بعد شهادتهم عليه : امرأته طالق إن لم يكونوا شهدوا عليه بزور وما كان لفلان قبلي شيء وما فعلت الذي شهدوا به علي وإلا فامرأته طالق فإنه يدين ويحلف أنهم كذبوا في شهادتهم وتحبس امرأته فإن أقر بعد تصديق الشهداء أو جاء شهداء آخرون يشهدون على تصديق شهادة الأولين الذين حلف بتكذيبهم حنث في يمينه ، قال : وكذلك لو حلف بالطلاق إن كان لفلان عليه كذا وكذا أو إن كان كلم اليوم فلانا فشهد عليه عدول بإثبات الحق وأنه كلم ذلك الرجل فإن الحنث يلزمه ، قال ابن رشد : هذه المسائل كلها صحاح وأصلها في الأيمان بالطلاق منها وتكرر في أول سماع ابن القاسم من الشهادات ولا خلاف أحفظه في شيء منها وتلخيصها أن اليمين على الفعل بالطلاق كان ببينة أو إقرار إذا تقدم على الإقرار بالفعل والشهادة به عليه طلقت عليه وإن تقدم الإقرار منه بالفعل أو الشهادة به على اليمين كان ببينة أو بإقرار لم تطلق عليه والفرق بين أن تتقدم اليمين على الفعل أو الفعل على اليمين هو أن اليمين إذا تقدم بإقرار أو بينة فقد لزم حكمه ووجب أن لا يصدق في إبطاله وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حلف به على نفسه وإنما قصد إلى تحقيق نفي ذلك الفعل ، انتهى . [ ص: 83 ] وانظر كلام مختصر الواضحة في كتاب الأيمان والنذور وكلام النوادر وذكر ابن رشد في رسم المكاتب في سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق مسألة وهي من ادعى على رجل بحق فحلف بالطلاق ما لك عندي حق فحلف المدعي بالطلاق أن ذلك الحق عندك ولم تقم له بينة بذلك فإنه لا يقضى عليه بالحق وأما الطلاق فلا يلزمه ويدين وهل يحلف أو لا يحلف قولان ا هـ وأشار إلى ذلك في رسم الطلاق الأول من سماع أشهب وفي رسم تسلف في المبتاع من سماع ابن القاسم ، قال : وهذا إذا طولب بحكم الطلاق أما إن جاء مستفتيا فلا وجه لليمين وهي يمين تهمة ، والله أعلم . وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق في رجل أمر غريمه أن يدفع ما له عليه إلى وكيله ثم سأله بعد أيام ، فقال : دفعته إلى وكيلك ، فقال : كتب إلي وكيلي أنه لم يقبض منك شيئا ، فقال الغريم : امرأته طالق ألبتة إن كنت لم أدفع إليه حقه ، وقال الطالب : امرأتي طالق إن كنت دفعت إليه شيئا ، قال : أما المطلوب فينوي في يمينه ولا يبرأ من الحق إلا ببينة على الدفع وأما الطالب فحانث ; لأنه حلف على غيب لا علم له به ولا يجوز للإمام أن يقر امرأته عنده وقد بان أنه حلف على غير علم ، انتهى . من حاشية المشذالي في كتاب الهبات ، وقال في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق : مسألة ، قال مالك في الرجل يحلف بطلاق امرأته إن لم يضربها كذا وكذا أو يقول غلامي حر إن لم أضربه كذا وكذا ثم تأتي المرأة أو العبد يدعيان أنه لم يضربهما ويقول الرجل قد ضربت أنه ليس على السيد ولا على الزوج البينة على ذلك ويصدق ويحلف ، قال ابن القاسم : وذلك مخالف للحقوق في قول مالك لأن الرجل لو حلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض الرجل حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قضاه ، قال مالك : إن لم يكن عليه بينة بالقضاء طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق ، قال ابن رشد : أما الذي يحلف بطلاق امرأته ليضربنها إلى أجل يسميه أو بعتق عبده ليضربنه إلى أجل يسميه فلا اختلاف في أن كل واحد منهما مصدق مع يمينه بعد الأجل على أنه قد ضرب قبل الأجل لأن ضرب الزوج امرأته والسيد عبده ليس بحق لهما تسأله الزوجة من زوجها والعبد من سيده فيتوثق باليمين من الحالف على ذلك ولا يلزمه الإشهاد على تأديبه ولعله ضرب عداء فلا يسوغ للشاهدين استشهد على ذلك أن يحضر ليشهد به ، قال في الواضحة : وإن مات السيد بادعاء العبد أنه لم يضربه وجهل الورثة ذلك فالقول قول العبد حتى يدعوا أنه قد ضربه فينزلوا منزلة السيد في ذلك وأما الذي يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن لم يقض رجلا حقه إلى أجل سماه فحل الأجل وزعم أنه قضاه وزعمت المرأة أنه لم يقضه وأنه قد حنث فيها بطلاق البتات ففي ذلك ثلاثة أقوال : أحدها أن القول قوله مع يمينه يحلف ويبر من الحنث بمنزلة الذي يحلف على ضرب امرأته أو أمته وإن أنكر صاحب الحق القبض حلف وأخذ حقه وهو قول مالك في رواية زياد عنه . والثاني أنه لا يصدق في القضاء ولا يمكن من اليمين ويبرأ من الحنث بما يبرأ من الدين من إقرار صاحب الحق بقبضه أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين وهو الذي يأتي على قول سحنون في كتاب ابنه . والثالث أنه لا يبرأ من الحنث بشاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين ولا بإقرار صاحب الحق ولا يبرأ إلا بشاهدين عدلين وهو قول مطرف وابن الماجشون وروايتهما عن مالك ، وظاهر رواية ابن القاسم هذه عن مالك ورواية ابن وهب عنه في رسم أسلم من سماع عيسى وقد قيل أنه يبرأ أيضا بإقرار صاحب الحق إذا كان مأمونا لا يتهم أن يطأ حراما وهو قول أشهب وابن عبد الحكم في الواضحة ، قال ابن نافع في المبسوطة مع يمينه وزاد ابن القاسم في رسم أسلم من سماع عيسى إذا كان من أهل الصدق وممن لا يتهم وهذا كله إذا كانت على أصل [ ص: 84 ] اليمين بينة وهو معنى قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق ; لأنه يريد بقوله على أصل اليمين وأما إذا لم تكن على أصل اليمين بينة إلا أن الزوج أقر باليمين لما روجع فيها وطلب بها فيتخرج ذلك على قولين : أحدهما أن إقراره على نفسه باليمين كقيام البينة بها عليه . والثاني أنه يحلف لقد قضاه حقه قبل الأجل ويبرأ من الحنث ولا يبرأ من المال إذا لم يقر صاحبه بقبضه ولا شهدت بذلك بينة وسواء كانت على أصل الدين بينة أو لم تكن وذهب بعض الشيوخ وهو ابن دحون إلى أن قيام البينة على أصل الحق كقيامها على أصل اليمين على ظاهر قوله في هذه الرواية طلق عليه بالشهود الذين أشهدهم على أصل الحق وليس ذلك بصحيح لأن الشهادة على أصل الحق لا تأثير لها بوجوب الطلاق فالمعنى في ذلك هو ما ذكرناه ولو أنكر اليمين ولم تقم عليه بها بينة لم تلحقه في ذلك يمين ولو أنكر اليمين وأقر أنه لم يدفع الحق قبل الأجل فلما قامت عليه البينة باليمين أقام هو بينة على دفع الحق قبل الأجل قبلت منه بينته على اختلاف في هذا الأصل قائم من المدونة وغيرها ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية