الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فلو فعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزم )

                                                                                                                            ش : اعلم أن للمسألتين صورتين الأولى فيما لا يمكن تكرره مثل أن يحلف لغريمه بطلاق زوجته ألبتة ليقضينه إلى أجل سماه فيصالح زوجته قبل الأجل ثم يراجعها بعد مضي الأجل فلا حنث عليه والثاني أن يكون يمكن تكرره فلا يقع الحنث بما فعلته حال البينونة ويحنث بما فعلته بعدها كما لو حلف بطلاقها أن لا تدخل دار فلان فأبانها ثم دخلت ثم راجعها فلا حنث عليه فإن دخلت الدار مرة ثانية بعد مراجعته حنث فلو تزوجها مرة ثانية بعد الحنث ثم دخلت لم يتكرر عليه الحنث ذكر ذلك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب النكاح وفي ابن عرفة وغيره ، وقال القرافي في آخر الفرق الثاني والثلاثين بعد المائة : وإذا قال : إن دخلت الدار فعبد من عبيدي حر أو امرأته طالق فخالف ودخل عتق عبد من عبيده وطلقت امرأته طلقة واحدة فإن عاد وخالف مقتضى التعليق لم يلزمه عتق عبد آخر ولا طلقة أخرى ثم قال ومثل ذلك إذا حلف بالطلاق لا يكلم زيدا فخالع امرأته وهم وكلم زيدا لم يلزمه بهذا الكلام طلاق فلو رد امرأته وكلمه حنث عند مالك رحمه الله ا هـ وفي رسم شك من سماع ابن القاسم من الأيمان بالطلاق وسئل مالك عن رجل يحلف بطلاق امرأته ألبتة إن خرجت إلى بيت أهلها إلا بإذنه إن لم يصر بها فخرجت مرة فضربها هل ترى عليه شيئا إن هي خرجت ، قال لا إلا أن يكون نوى ذلك ابن رشد هذه مسألة موافقة لما في كتاب النذر من المدونة من أن من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام فكلمه حنث ثم كلمه مرة أخرى بعد أن كفر أو قبل أن يكفر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة وموافقة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك ما في سماع أبي زيد بعد هذا وأول سماع أشهب من النذور وأول رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة حاشا مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور ، انتهى .

                                                                                                                            ونص ما في سماع أبي زيد : مسألة : وسئل عن رجل ، قال لامرأته : أنت طالق إن دخلت جاريتك على أختك إن لم أضربها مائة فدخلت ثم ضربها مائة ثم دخلت مرة أخرى ، قال : لا شيء عليه إلا أن يكون نوى أن يضربها كلما دخلت ابن رشد هذه مسألة مضت في رسم شك من سماع ابن القاسم ونص ما في أول سماع أشهب من النذور ، قال سحنون : أخبرني أشهب وابن نافع عمن أبق له غلام فأخذه فحلف له إن عدت لأضربنك فعاد فأبق ولم يضربه ثم عاد فأبق له فضربه أتراه خرج عن يمينه ، قال : لا أراه وقت وقتا وأرى ذلك قد أخرجه عن يمينه إذا ضربه الضرب الذي حلف عليه ضربا لا عذاب ولا دون ابن رشد هذا خلاف مسألة الوتر ونص ما في رسم باع غلاما من سماع ابن القاسم من طلاق السنة مسألة : سئل مالك عن رجل ، قال لامرأته : أنت طالق واحدة إن بت عنك فبات عنها فطلقت منه بواحدة ثم ارتجعها ثم بات عنها بعد ذلك ليالي ، وقال : لا شيء عليه إلا الأولى ، قال محمد بن رشد : هذه مسألة صحيحة على أصله في المدونة وفي غير مسألة من العتبية حاشا مسألة الوتر ، انتهى .

                                                                                                                            وانظر الرسم الأول والثاني من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق ونص مسألة الوتر من رسم حلف من سماع ابن القاسم من النذور مسألة : وسئل عن رجل حلف إن نام حتى يوتر فعليه صدقة دينار فنام ليلة من ذلك قبل أن يوتر أترى عليه في ليلة أخرى إن نامها شيئا أم قد أجزأ عنه الأمر الأول ، قال ذلك إلى ما نوى وهو أعلم بما أراد به من ذلك وما رأيت أحدا يفعل هذا الوجه ليس الوتر أعني ولكن ما يوجب على نفسه [ ص: 51 ] في غير هذا من هذه الأشياء إلا أن عليه في كل ما فعل ما حلف عليه وما يريد أحد في مثل هذه الأشياء مرة واحدة ولا أن ينويه ، قال ابن رشد : هذه الرواية مخالفة لما في المدونة ومن ذلك مسألة من حلف أن لا يكلم رجلا عشرة أيام ومخالفة أيضا لجميع روايات العتبية من ذلك أول مسألة من سماع أشهب ثم قال : وهذا الاختلاف جار على اختلاف الأصوليين في الأمر المقيد بصفة هل يقتضي تكراره بتكرار الصفة أم لا فمسألة الوتر على القول بوجوب تكراره بتكرار الصفة ; لأنه أوجب عليه صدقة دينار لكل ليلة نام فيها قبل أن يوتر إلا أن ينوي مرة واحدة ، قال : وكذلك ما يوجب على نفسه من هذه الأشياء ومسائل المدونة والعتبية التي ذكرناها على القول بأن الأمر لا يجب تكراره بتكرار الصفة ; لأنه لم يوجب عليه ما حلف به كلما تكرر الفعل الذي جعله شرطا فيما حلف به إلا أن ينوي ذلك ، وبالله التوفيق ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( ولو نكحها ففعلته حنث إن بقي من العصمة المعلق فيها شيء )

                                                                                                                            ش : قال في كتاب النكاح الأول من المدونة : وإن تزوجها على شرط يلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة وانقضت عدتها ثم تزوجها عاد عليه الشرط في بقية طلاق الملك وإن شرط في نكاحه الثاني أنه إنما نكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك ، انتهى . وقد سئلت عن رجل زوج ابنته وهي صغيرة من رجل بصداق ، فقال له الزوج : أخشى أنها تموت وتطلب مني المهر ، قال أبو الزوجة : زوجته طالق إن طالبتك من صداقها بشيء ثم إن أبا الزوجة طلق زوجته ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ثم ماتت البنت فهل له مطالبته بالصداق وهل يلزمه الحنث أم لا فأجبت بما صورته لوالد الزوجة المتوفاة مطالبة الزوج ولا حنث عليه لأن هذه عصمة جديدة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) إذا حلف بالطلاق أن لا يفعل فعلا ثم طلق تلك الزوجة أو ماتت ثم تزوج غير تلك الزوجة ثم فعل ذلك الفعل فلا حنث عليه من باب أولى ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( كالظهار )

                                                                                                                            ش : يعني إذا علق الظهار على أمر ففعلت المحلوف عليه حال بينونتها لم يلزمه شيء ولو نكحها ففعلته لزمه ما دامت العصمة المعلق فيها فإن طلقها ثلاثا ثم تزوجها سقط حكم الظهار المعلق وأما لو وقع المعلق عليه وهي في عصمته ولزمه الظهار أو ظاهر من غير تعليق ثم طلقها ثلاثا لم يسقط الطلاق الثلاث الظهار وسيقول المصنف في باب الظهار وسقط إن تعلق ولم يتنجز بالطلاق الثلاث

                                                                                                                            ص ( لا محلوف لها )

                                                                                                                            ش : قال ابن غازي يريد أو عليها [ ص: 52 ] مثال المحلوف لها كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق فتلزمه اليمين في التي يتزوجها عليها ولو كان ذلك بعد أن طلقها ثلاثا وتزوجها بعد زوج هذا الذي ارتضاه المصنف وغيره خلاف ما شهره ابن الحاجب في هذه المسألة وهو قوله في كتاب الأيمان بالطلاق .

                                                                                                                            ومثال المحلوف عليها إذا قال : زينب طالق إن وطئت عزة فعزة محلوف عليها فتلزمه اليمين فيها ما دامت زينب عنده ولو طلقها أعني عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج ما دامت زينب عنده فإذا علم ذلك فالذي يختص فيها الطلاق بالعصمة هي المحلوف بها مثل زينب في المثال الثاني ومثل قوله إن دخلت الدار فأنت طالق وإن أكلت الرغيف فأنت طالق ونحو ذلك

                                                                                                                            ص ( وفي ما عاشت مدة حياتها إلا لنية كونها تحته )

                                                                                                                            ش : نحوه في الأيمان بالطلاق وفي حاشية المشذالي في هذه المسألة ، قال : قالوا فيمن اشترى طستا وأشهد لامرأته أن تنتفع به في حياتها ثم طلقها ، وقال : أردت ما بقيت عندي حلف وأخذه

                                                                                                                            ص ( ولو علق عبدا لثلاث على الدخول فعتق ودخلت لزمت اثنتين وبقيت واحدة )

                                                                                                                            ش : قال ابن عرفة : المعتبر في قدر الطلاق حال المطلق يوم نفوذه لا يوم عقده ابن سحنون عن أبيه وأشهب إن قال عبد : إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلته بعد عتقه بقيت له طلقتان ، انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عبد السلام : ولو قال العبد : أنت طالق إن فعلت كذا ثم عتق ثم حنث فهذه تبقى عندي على تطليقتين وإنما يراعى يوم الحنث كما قال : إن فعلت كذا فأنت حر ففعله في مرضه فإنما هو في ثلثه ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( كما لو طلق واحدة ثم عتق )

                                                                                                                            ش : يعني أنه تبقى له واحدة وهذا والله أعلم ما لم يثبت أنه أوقع هذه الطلقة وهو حر بقي اثنتان كما قال ابن القاسم : لو طلقها طلقتين ثم ثبت أنه أعتق قبل طلاقه وله الرجعة إن لم تنقض العدة وإن انقضت فقد [ ص: 53 ] بقيت له فيها طلقة إن تزوجها وسواء علم أن جميع طلاقه طلقتان أم لم يعلم إذا لم ينو البتات أو يلفظ بالبتة كمن طلق طلقة وظن أنها تحرم عليه فلا يلزمه إلا واحدة ولا يلزم ذلك إلا من عرف أن له الرجعة إن نوى بها في قلبه ألبتة فأما من ظن ذلك فلا يضره وكذلك الأمة تعتد حيضتين ثم يثبت أنها عتقت قبل ذلك فلتتم عدة الحرة وإن نكحت قبل ذلك فسخ النكاح وواطئها واطئ في عدة وسواء ثبتت حريتها بعتق أو أصل حرية ، انتهى . من ابن عبد السلام ومنه ، قال ابن المواز : وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه حتى إذا عتق صار كالحر من يومئذ في طلاقه ، انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية