الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلاف كتامة على المنصور

وفي هذه السنة خرج إنسان آخر من كتامة يقال له أبو الفرج ، لا يعرف من أي موضع هو ، وزعم أن أباه ولد القائم العلوي ، جد المعز لدين الله ، فعمل أكثر مما عمله أبو الفهم ، واجتمعت إليه كتامة ، واتخذ البنود والطبول ، وضرب السكة ، وجرت بينه وبين نائب المنصور وعساكره بمدينة ميلة وسطيف حروب كثيرة ووقعات متعددة ، فسار المنصور إليه في عساكره ، وزحف هو إلى المنصور في عساكر كتامة ، فكان بينهما حرب شديدة ، فانهزم أبو الفرج وكتامة ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، واختفى أبو الفرج في غار في جبل ، فوثب عليه غلامان كانا له فأخذاه وأتيا به المنصور ، فسره ذلك وقتله شر قتلة .

وشحن المنصور بلاد كتامة بالعساكر ، وبث عماله فيها ، ولم يدخلها عامل قبل ذلك ، فجبوا أموالها وضيقوا على أهلها .

ورجع المنصور إلى مدينة أشير ، فأتاه سعيد بن خزرون الزناتي ، وكان أبوه قد تغلب على سجلماسة سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وصار في طاعة المنصور ، واختص به ، وعلت منزلته عنده ، فقال له المنصور يوما : يا سعيد هل تعرف أحدا أكرم مني ؟ وكان قد وصله بمال كثير ، فقال : نعم ! أنا أكرم منك . فقال المنصور : وكيف ذلك ؟ قال : لأنك جدت علي بالمال ، وأنا جدت عليك بنفسي . فاستعمله المنصور على طبنة ، وزوج ابنه ببعض بنات سعيد . فلامه على ذلك بعض أهله ، فقال : كان أبي وجدي يستتبعانهم بالسيف ، [ وأما ] أنا فمن رماني برمح رميته بكيس ، حتى تكون مودتهم طبعا واختيارا .

[ ص: 432 ] ورجع سعيد إلى أهله ، وبقي إلى سنة إحدى وثمانين [ وثلاثمائة ] ، ثم عاد إلى المنصور زائرا ، فاعتل سعيد أياما ، وتوفي أول رجب . ثم قدم فلفل بن سعيد على المنصور ، فأحسن إليه ، وحمل إليه مالا كثيرا ، فرده إلى طبنة ولاية أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية