الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر سبب تقدم علي بن بويه

( كان السبب في ارتفاع ) علي بن بويه ( من بينهم ) - بعد الأقدار - أنه كان سمحا ، حليما ، شجاعا ، فلما قلده مرداويج كرج ، وقلد جماعة القواد المستأمنة معه الأعمال ، وكتب لهم العهود ، وساروا إلى الري ، وبها وشمكير بن زيار أخو مرداويج ، ومعه الحسين بن محمد الملقب بالعميد ، وهو والد أبي الفضل الذي وزر لركن الدولة بن بويه ، وكان العميد يومئذ وزير مرداويج .

وكان مع عماد الدولة بغلة شهباء من أحسن ما يكون ، فعرضها للبيع ، فبلغ ثمنها مائتي دينار ، فعرضت على العميد ، فأخذها وأنفذ ثمنها ، فلما حمل الثمن إلى عماد الدولة ، أخذ منه عشرة دنانير ورد الباقي ، وجعل معه هدية جميلة .

ثم إن مرداويج ندم على ما فعل من تولية أولئك القواد البلاد ، فكتب إلى أخيه وشمكير وإلى العميد يأمرهما بمنعهم من المسير إلى أعمالهم ، وإن كان بعضهم قد خرج ، فيرد .

وكانت الكتب تصل إلى العميد قبل وشمكير ، فيقرأها ثم يعرضها على وشمكير ، فلما وقف العميد على هذا الكتاب ، أنفذ إلى عماد الدولة يأمره بالمسير من ساعته إلى عمله ، ويطوي المنازل ، فسار من وقته ، وكان المغرب ، وأما العميد فلما أصبح ، عرض الكتاب على وشمكير ، فمنع سائر القواد من الخروج من الري ، واستعاد التوقيعات التي [ ص: 9 ] معهم بالبلاد ، وأراد وشمكير أن ينفذ خلف عماد الدولة من يرده ، فقال العميد : إنه لا يرجع طوعا ، وربما قاتل من يقصده وخرج عن طاعتنا ، فتركه .

وسار عماد الدولة إلى كرج ، وأحسن إلى الناس ، ولطف بعمال البلاد ، فكتبوا إلى مرداويج يشكرونه ، ويصفون ضبطه البلد ، وسياسته ، وافتتح قلاعا كانت للخرمية ، وظفر منها بذخائر كثيرة ، صرفها جميعها إلى استمالة الرجال ، والصلات ، والهبات ، فشاع ذكره ، وقصده الناس وأحبوه .

وكان مرداويج ذلك الوقت بطبرستان ، فلما عاد إلى الري أطلق مالا لجماعة من قواده على كرج ، فاستمالهم عماد الدولة ، ووصلهم ، وأحسن إليهم ، حتى مالوا إليه ، وأحبوا طاعته .

وبلغ ذلك مرداويج ، فاستوحش وندم على إنفاذ أولئك القواد إلى الكرج ، فكتب إلى عماد الدولة وأولئك يستدعيهم إليه ، وتلطف بهم ، فدافعه عماد الدولة ، واشتغل بأخذ العهود ، وخوفهم من سطوة مرداويج ، فأجابوه جميعهم ، فجبى مال كرج ، واستأمن إليه شيرزاد ، وهو من أعيان قواد الديلم ، فقويت نفسه بذلك ، وسار بهم عن كرج إلى أصبهان ، وبها المظفر بن ياقوت ، في نحو من عشرة آلاف مقاتل ، وعلى خراجها أبو علي بن رستم ، فأرسل عماد الدولة إليهما يستعطفهما ، ويستأذنهما في الانحياز إليهما ، والدخول في طاعة الخليفة ، ليمضي إلى الحضرة ببغداذ ، فلم يجيباه إلى ذلك ، وكان أبو علي أشدهما كراهة ، فاتفق للسعادة أن أبا علي مات في تلك الأيام ، وبرز ابن ياقوت عن أصبهان ثلاثة فراسخ ، وكان في أصحابه جيل وديلم مقدار ستمائة رجل ، فاستأمنوا إلى عماد الدولة لما بلغهم من كرمه ، فضعف قلب ابن ياقوت ، وقوي جنان عماد الدولة ، فواقعه ، واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم ابن ياقوت ، واستولى عماد الدولة على أصبهان ، وعظم في عيون الناس ; لأنه كان في تسعمائة رجل هزم بهم ما يقارب عشرة آلاف رجل ، وبلغ ذلك الخليفة فاستعظمه ، وبلغ خبر هذه الوقعة مرداويج فأقلقه ، وخاف على ما بيده من البلاد ، ( واغتم لذلك غما شديدا ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية