الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 388 ] وأيضا فقوله: «وجدت برد أنامله» معناه: وجدت أثر تلك العناية، يقال له: أثر تلك العناية كان حاصلا على ظهره وفي فؤاده وصدره، فتخصيص أثر العناية بالصدر لا يجوز؛ إذ عنده لم يوضع بين الكتفين شيء قط، وإنما المعنى أنه صرف الرب عنايته إليه، فكان يجب أن يبين أن أثر تلك العناية متعلق بما يعم أو بأشرف الأعضاء، وما بين الثديين كذلك.

بخلاف ما إذا أقر الحديث على وجهه، فإنه إذا وضعت الكف على ظهره نفذ بردها إلى الناحية الأخرى وهو الصدر، ومثل هذا يعلمه الناس بالإحساس، وأيضا فقول القائل: «وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي» نص لا يحتمل التأويل والتعبير بمثل هذا اللفظ عن مجرد الاعتناء أمر يعلم بطلانه بالضرورة من اللغة، وهو من غث كلام القرامطة والسوفسطائية.

[ ص: 389 ] وقوله: والذي يدل على أن المراد منه كمال المعارف قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: «فعلمت ما بين المشرق والمغرب» وما ذلك إلا لأن الله تعالى أنار قلبه، وشرح صدره بالمعارف.

يقال له: الحديث يدل على أن هذه المعرفة كانت من آثار الوضع المذكور، وهذا حق، لكن لا يدل على أن الوضع ليس له معنى إلا مجرد هذا التعريف، وهذا ظاهر معروف بالضرورة أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أشياء حيث قال: «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها» وفي رواية: «برد أنامله على صدري فعلمت ما بين المشرق والمغرب» فذكر وضع يده بين كتفيه، وذكر غاية ذلك أنه وجد برد أنامله بين ثدييه، وهذا معنى ثان، وهو وجود هذا البرد عن شيء مخصوص في محل مخصوص، وعقب ذلك [ ص: 390 ] بأثر الوضع الموجود، وكل هذا يبين أن أحد هذه المعاني ليس هو الآخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية