الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: «فإن قيل: فأثبتوا له روحا؛ لأنه قد وصف روحه بذلك فقال تعالى: ونفخت فيه من روحي [الحجر: 29] قيل: لا نثبت له ذلك؛ لأن السمع لم يرد بذلك على وجه الصفة للذات.

وقوله: ونفخت فيه من روحي [ص: 72] المراد به أمره؛ لقيام الدليل على أن صفات ذاته لا تحل المحدثات، ويفارق هذا إثبات النفس؛ لأنه ليس في إثباتها ما يحيل صفاتها ولا يخرجها عما يستحقه».

وقال بعد ذلك: [ ص: 456 ] «ولا يجوز إثبات روح» وقد قال أحمد فيما خرجه في الرد على الزنادقة في قوله تعالى: وروح منه فقال: «تفسير روح الله إنما معناها أنه روح بكلمة الله تعالى، خلقها الله، كما يقال: عبد الله وسماء الله وأرض الله».

قلت: أما ما ذكره من كلام أحمد فإنه موافق لألفاظ النصوص، وقد قدمنا هذا وغيره من كلام أحمد، وكله يدل على أن نفس الله هو الله وذاته لا صفة قائمة به، وهكذا اللفظ الذي استشهد به على ذلك؛ فإن أحمد قال: «فقل له خلق الخلق في نفسه أو خارجا من نفسه» ثم بين أنه إن قال: «خلقهم في نفسه كفر؛ لأنه جعل الأشياء الخبيثة كالشياطين في نفس الله، وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه ثم دخل فيهم كفر؛ حيث جعله قد دخل في الأمكنة الخبيثة التي يعلم بالفطرة الضرورية تنزيه الله تعالى عنها، وإن قال: خلقهم خارجا من [ ص: 457 ] نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع» وهذا صريح في أن نفسه هي هو وهي ذاته لا صفة لذاته؛ لأنه لو كان المراد خلقهم في صفته أو خارجا عن صفته لم تكن القسمة حاصرة؛ إذ قد يخلقهم في المحل الذي هو فيه، وأيضا إن قال: خلقهم في نفسه كفر، وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضا كفرا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء، فهذا يبين أن الخالق هو نفسه الذي قدر أنه خلقهم خارجا عنه، ثم دخل هو فيهم، ولو أريد خلقهم خارجا عن صفة من صفاته لكان المقدر دخول تلك الصفة فيهم بعد ذلك لا دخوله هو. وكذلك قوله: «وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه، ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع وهو قول أهل السنة» أي أن العالم مباين لذات الله تعالى، وقد مر تقرير كلام أحمد في موضعه، وأن حجته هذه النظرية من أحسن الحجج المعلومة ببديهة العقل.

التالي السابق


الخدمات العلمية