الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
16103 7098 - (16538) - (4\51 - 52) عن أبي النضر ، حدثنا عكرمة ، قال : حدثني إياس بن سلمة ، قال : أخبرني أبي قال : بارز عمي يوم خيبر مرحبا اليهودي فقال : مرحب :

قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب     إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال عمي عامر :

قد علمت خيبر أني عامر     شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر ، وذهب يسفل له ، فرجع السيف على ساقه فقطع أكحله فكانت فيها نفسه .

[ ص: 393 ] قال سلمة بن الأكوع : فلقيت ناسا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال سلمة : فجئت إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم أبكي قلت : يا رسول الله ، بطل عمل عامر ، قال : " من قال ذاك؟ " ، قلت : ناس من أصحابك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كذب من قال ذاك ، بل له أجره مرتين " ، إنه حين خرج إلى خيبر جعل يرجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم يسوق الركاب وهو يقول :

تالله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا
إن الذين قد بغوا علينا     إذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا     فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من هذا؟ " ، قال : عامر يا رسول الله ، قال : " غفر لك ربك " ، قال : وما استغفر لإنسان قط يخصه إلا استشهد ، فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله ، لو متعتنا بعامر ، فقدم فاستشهد ، قال سلمة : ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى علي فقال : " لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله " ، قال : فجئت به أقوده أرمد ، فبصق نبي الله صلى الله عليه وسلم في عينه ثم أعطاه الراية ، فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال :

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره

ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه .


[ ص: 394 ]

التالي السابق


[ ص: 394 ] * قوله : "بطل مغامر" : - بالغين المعجمة - ; أي : يركب غمرات الحرب وشدائدها ، ويلقي نفسه فيها .

* "وذهب يسفل" : كينصر; أي : ذهب عامر يضربه من أسفل .

* "نفسه" : أي : موته .

* "فقدم" : من التقديم; أي : قدم إلى الآخرة ، وما أخر إلى الدنيا .

* وقوله : "فاستشهد" : بيان للتقديم .

* "يخطر" : - بكسر الطاء - : يرفعه مرة ، ويضعه أخرى .

* "حيدره" : اسم للأسد ، وجاء أن أم علي سمت عليا أسدا ، وكان أبو طالب غائبا ، فلما قدم ، سماه : عليا ، ورأى مرحب في المنام أن أسدا يقتله ، فذكره علي بذلك; ليخيفه .

* "كيل السندره" : يريد : أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا ، قالوا : السندرة : مكيال واسع .

* * *




الخدمات العلمية