الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والأظهر وجوب ) ( ركوب البحر ) بسكون الحاء ويجوز فتحها لمن لا له طريق [ ص: 248 ] غيره ولو على امرأة وجبان ( إن غلبت السلامة ) في ركوبه كسلوك طريق البر عند غلبتها ، فإن غلب الهلاك لخصوص ذلك البحر أو لهيجان الأمواج في بعض الأحوال أو استويا حرم الركوب للحج كغيره ، إلا أن يكون للغزو على أحد وجهين بشرط عدم عظم الخطر فيه بحيث تندر النجاة وإلا حرم حتى للغزو ، فإن ركب للحج أي في غير الحالة الأخيرة فيما يظهر وما بين يديه أكثر مما قطعه فله الرجوع لقربه من مقصده ، أو أقل أو استويا ووجد بعد الحج طريقا آخر في البر فيما إذا كان له وطن يريد الرجوع إليه لزمه التمادي لاستواء الجهتين في حقه قال الأذرعي : وما ذكروه من الكثرة والتساوي المتبادر منه النظر إلى المسافة وهو صحيح عند الاستواء في الخوف في جميع المسافة ، أما لو اختلف فينبغي أن ينظر إلى الموضع المخوف وغيره حتى لو كان أمامه أقل مسافة لكنه أخوف أو هو المخوف لا يلزمه التمادي وإن كان أطول مسافة ولكنه سليم وخلف المخوف وراءه لزمه ذلك ا هـ . وهو ظاهر لا يقال : الخروج من المعصية واجب ; لأنا نقول : عارضه ما هو أهم منه وهو قصد النسك مع تضييقه عليه كما يأتي ، على أنا نمنع دوام المعصية إذ هي في ابتداء الركوب فقط بدليل قولهم في الأول له الرجوع ، وفارق ما هنا جواز تحلل محصر أحاط به العدو مطلقا بأن المحرم محبوس ، وعليه في مصابرة الإحرام مشقة ، بخلاف راكب البحر ولو محرما فلا يكون كالمحصر خلافا لبعض المتأخرين ، وإنما منع من الرجوع مع أن الحج على التراخي ; لأن الفرض فيمن خشي العضب أو أحرم بالحج وضاق وقته أو نذر أن يحج في ذلك العام أو أن مرادهم بما ذكر استقرار الوجوب .

                                                                                                                            نعم لو نذرت السلامة منه فالأوجه وجوب الرجوع في حالة جوازه في غيرها وخرج بالبحر أي الملح إذ هو المراد عند الإطلاق الأنهار العظيمة كسيحون وجيحون والدجلة فيجب ركوبها مطلقا ; لأن المقام فيها لا يطول وخطرها لا يعظم ، ولا فرق بين قطعها طولا أو عرضا وإن نظر فيه الأذرعي وتبعه في الإسعاد ; ولأن جانبها قريب يمكن الخروج إليه سريعا بخلافه في البحر .

                                                                                                                            نعم يظهر إلحاقها بالبحر في زمن زيادتها وشدة هيجانها وغلبة الهلاك فيها إذا ركبها طولا ويمكن حمل كلام الأذرعي عليه ، وسيأتي في الحجر إن شاء الله تعالى بيان أحكام إركاب الصبي وماله والبهيمة والرقيق وركوب الحامل البحر ، ومقابل الأظهر يجب مطلقا لا يجب مطلقا يجب في الرجل دون المرأة ، وقول الشارح وإذا قلنا لا يجب استحب على الأصح إن غلبت السلامة تفريع على مقابل الأظهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله لمن لا له طريق إلخ ) أي لمن لا طريق له يمكنه التوصل منها إلى مكة بأن

                                                                                                                            [ ص: 248 ] لا يكون له طريق أصلا غير البحر أو له طريق لكن تعذر سلوكه إما لعدو أو لقلة ما يصرفه في مؤنه فيجب عليه ركوب البحر الآن لأنه لا طريق له غيره ، وهو حينئذ نظير ما لو كان له طريقان خاف من سلوك أحدهما وأمكنه في الآخر فإنه يجب سلوكه وإن كان أبعد كما تقدم في كلام الشارح ( قوله وهو ظاهر ) أي ما قاله الأذرعي ( قوله مطلقا ) أي سواء منع من الذهاب والعود أو الذهاب فقط ( قوله : وإن نظر فيه ) أي قوله أو عرضا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لقربه من مقصده ) هذا مقدم من تأخير ، وعبارة شرح الروض : وما بين يديه أكثر مما قطعه فله الرجوع أو أقل أو استويا ، إلى أن قال : لزمه التمادي لقربه من مقصده في الأول واستواء الجهتين في حقه في الثاني ( قوله : لأنا نقول عارضه ما هو أهم منه إلخ ) لعل الأولى الجواب بأن الخروج من المعصية يتحقق بخروجه من البحر وهو كما يحصل بعوده يحصل بمضيه إلى مقصده فتأمل ( قوله : ولو محرما ) غرضه منه الرد على شيخ الإسلام الذي أراده بقوله خلافا لبعض المتأخرين حيث قال : نعم إن كان محرما كان كالمحصر




                                                                                                                            الخدمات العلمية