الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وقيل لا تتحلل الشرذمة ) بالمعجمة لاختصاصها بالإحصار كما لو أخطأت الطريق أو مرضت ، والصحيح الجواز كما في الحصر العام لما مر ، وفارق جواز التحلل بالحبس عدمه بالمرض بأنه لا يمنع الإتمام بخلاف الحبس ، وقال المصنف : إن الأشهر في اللغة أحصره المرض وحصره العدو ، وقال السبكي : إن المشهور من كلام أهل اللغة أن الإحصار : المنع من المقصود ، سواء أمنعه مرض أم عدو أم حبس ، والحصر : التضييق ( ولا يتحلل بالمرض ) إذا لم يشرطه ; لأنه لا يمنع الإتمام ولا يزول بالتحلل .

                                                                                                                            قال الماوردي ، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم : بل يصبر حتى يزول ، فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة ( فإن شرطه ) أي التحلل بالمرض مقارنا للإحرام ( تحلل به ) أي بسبب المرض ( على المشهور ) كما له أن يخرج من الصوم فيما لو نذره بشرط أن يخرج منه بعذر ، ولخبر الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير ، فقال لها : أردت الحج ، فقالت : والله ما أجدني إلا وجعة فقال لها : حجي واشترطي ، وقولي : اللهم محلي حيث حبستني }

                                                                                                                            وقيس بالحج العمرة ، والاحتياط اشتراط ذلك .

                                                                                                                            والثاني لا يجوز ; لأنه عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلا يجوز بالشروط كالصلاة المفروضة ، وقائله أجاب عن الحديث بأن المراد بالحبس الموت أو هو خاص بضباعة ، ومعلوم أنه خلاف الظاهر ، وغير المرض من سائر الأعذار كضال الطريق ونفاذ النفقة والخطأ في العدد كالمرض في ذلك ، وقضية إطلاقهم الاكتفاء بوجود مطلق المرض وإن خف في تحلل من شرط ذلك بالمرض ، ويحتمل تقييده بمبيح التيمم ، والأوجه ضبطه بما يحصل معه مشقة لا تحتمل عادة في إتمام النسك ، ثم إن شرط بلا هدي لم يلزمه هدي عملا بشرطه ، وكذا لو أطلق لعدم شرطه ولظاهر خبر ضباعة ، فالتحلل فيهما يكون بالنية فقط وإن شرطه بهدي لزمه عملا بشرطه ، ولو قال : إن مرضت فأنا حلال فمرض صار حلالا بالمرض من غير نية ، وعليه حملوا خبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح { من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل } وإن شرط قلب حجه عمرة بالمرض أو نحوه جاز بل كما لو شرط التحلل به بل أولى ، ولقول عمر لأبي أمية سويد بن غفلة [ ص: 365 ] حج واشترط وقل : اللهم الحج أردت وله عملت ، فإن تيسر وإلا فعمرة . رواه البيهقي بإسناد حسن

                                                                                                                            ، ولقول عائشة لعروة : هل تستثن إذا حججت ؟ فقال : ماذا أقول ؟ قالت : قل اللهم الحج أردت وله عمدت ، فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة . رواه الشافعي والبيهقي بسند صحيح على شرط الشيخين ، فله في ذلك إذا وجد العذر أن يقلب حجه عمرة وتجزئه عن عمرة الإسلام .

                                                                                                                            والأوجه أنه لا يلزمه في هذه الحالة الخروج إلى أدنى الحل ولو بيسير ، إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء ، ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند العذر فوجد العذر انقلب حجه عمرة وأجزأته عن عمرة الإسلام بخلاف عمرة التحلل بالإحصار لا تجزئ عن عمرة الإسلام ; لأنها في الحقيقة ليست عمرة وإنما هي أعمال عمرة ، وحكم التحلل بالمرض ونحوه حكم التحلل بالإحصار .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : مقارنا للإحرام ) عبارة ابن عبد الحق : فإن شرطه : أي لفظا ا هـ .

                                                                                                                            أي واللفظ هو المتبادر من الشرط ( قوله : اللهم محلي ) بفتح الحاء : أي موضع أحل ، وقوله حبستني بفتح السين : أي العلة والشكاية كذا قاله صاحب الوافي من الخادم للزركشي .

                                                                                                                            وقال في الكفاية في قوله محلي بكسر الحاء : كذا قاله شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في تخريج أحاديث الرافعي ا هـ زيادي . وفي المختار ما يوافق كلام الوافي حيث قال : وحل بالمكان من باب رد وحلولا ومحلا أيضا بفتح الحاء ، والمحل : أيضا المكان الذي تحله ( قوله : ونفاد النفقة ) بالدال المهملة ( قوله : يكون بالنية فقط ) عبارة ابن عبد الحق تبعا لشيخ الإسلام بالنية والحلق فقط ا هـ .

                                                                                                                            وما قالاه ظاهر ( قوله : كما لو شرط التحلل به بل أولى ) عبارة ابن عبد الحق تنبيه كما يجوز اشتراط التحلل أو صيرورته حلالا بما ذكر ، كذلك يجوز اشتراط قلبه ، قال البلقيني : أو انقلاب حجه عمرة بما ذكر أيضا فله في الأولى إذا وجد أن يقلب حجه عمرة بالنية وينقلب في الثانية كذلك من غير نية ، وتجزيه في المسألتين عن عمرة الإسلام ، بخلاف عمرة التحلل بالإحصار مثلا لا تجزيه عن عمرة الإسلام ; لأنها في الحقيقة ليست [ ص: 365 ] عمرة بل أفعال عمرة ( قوله : وقل اللهم ) عطف تفسير ( قوله : انقلب حجه عمرة ) ظاهره أنه ينقلب حيث شرط القلب وإن لم يقلبه وهو مخالف لما تقدم عن ابن عبد الحق ، ثم رأيت في نسخة أن ينقلب وعليها فهو موافق لما تقدم عن ابن عبد الحق ( قوله : بخلاف عمرة التحلل بالإحصار ) أي مثلا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : صار حلالا بالمرض ) ظاهره ولو بعد الوقوف وفيه ما مر




                                                                                                                            الخدمات العلمية