الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن بلغ ) يعني جاوز ( ميقاتا ) من المواقيت المنصوص عليها أو موضعا جعلناه ميقاتا وإن لم يكن ميقاتا أصليا ( غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه ) ولا يكلف العود إلى الميقات للخبر المار ( ومن بلغه ) أي وصل ( مريدا ) نسكا ( لم تجز مجاوزته ) إلى جهة الحرم ( بغير إحرام ) إجماعا ويجوز إلى جهة اليمنة أو اليسرة ويحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد كما ذكره الماوردي ( فإن ) خالف و ( فعل ) ما منع منه بأن جاوزه إلى جهة الحرم ( لزمه العود ليحرم منه ) ; لأن الإحرام منه كان واجبا عليه فتركه وقد أمكنه تداركه فيأتي به ، وقوله منه مثال فلو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر جاز .

                                                                                                                            قاله الماوردي وغيره ، ويؤيده تجويزهم في قضاء المفسد ترك الميقات الذي أحرم منه في الأداء مع وجوب ذلك عليه والإحرام من مثل مسافته من موضع آخر ، ولا يجب تأخير الإحرام إلى العود ; لأنا إذا قلنا بالأصح أن العود بعد الإحرام يسقط الدم كان له الإحرام ثم يعود إلى الميقات محرما ; لأن المقصود قطع المسافة محرما كالمكي ولو أراد الاعتمار فإنه يجوز له الإحرام من مكة ثم يخرج إلى الحل على الصحيح . نعم يتجه الاكتفاء بقدر ذلك ، وإن لم يكن ما عاد إليه ميقاتا ، وما أوهمه كلام المصنف من عدم وجوب العود إذا أحرم لجعله العلة في عوده إنشاء الإحرام وقد زال ذلك غير مراد بل يجب عليه العود ولو بعد الإحرام ، ولا فرق في المجاوزة بين العمد والسهو والعلم والجهل إذ المأمورات لا يفترق فيها الحال بين العمد وغيره كنية الصلاة لكن لا إثم على الجاهل والناسي ، ولا يقدح فيما ذكر في الساهي أنه بسهوه عن الإحرام يستحيل كونه في تلك الحالة مريدا للنسك إذ يمكن تصويره بمن أنشأ سفره من محله قاصدا له وقصده مستمر فسها [ ص: 262 ] عنه حين المجاوزة ، ثم استثنى من لزوم العود قوله ( إلا إذا ضاق الوقت ) عن العود إلى الميقات ( أو كان الطريق مخوفا ) أو كان معذورا بمرض شاق أو خاف انقطاعا عن رفقته فلا يلزمه العود حينئذ بل يريق دما ، والأوجه كما قاله الأذرعي تحريم عوده لو علم أنه لو عاد لفات الحج ولو كان ماشيا ولم يتضرر بالمشي فهل يلزمه العود أو لا ؟ قضية كلامهم لزومه ، ونظر فيه الإسنوي وقال : المتجه أنه إن كان على دون مسافة القصر لزمه وإلا فلا كما قلنا في الحج ماشيا ا هـ .

                                                                                                                            قال ابن العماد : بل المتجه لزوم العود مطلقا ; لأنه قضاء لما تعدى فيه فأشبه وجوب قضاء الحج الفاسد وإن بعدت المسافة ا هـ .

                                                                                                                            وهو ظاهر إن كان قد تعدى بمجاوزة الميقات أخذا من تعليله وإلا فالمتجه ما قاله الإسنوي ( فإن لم يعد ) لعذر أو غيره ( لزمه ) بتركه الإحرام من الميقات ( دم ) لقول ابن عباس : من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما . رواه مالك وغيره بإسناد صحيح

                                                                                                                            ومحل لزومه إن أحرم بعمرة مطلقا أو بحج في تلك السنة فإن لم يحرم أصلا فلا إذ لزومه لنقصان النسك لا بد منه ، وكذا إن أحرم بحج في سنة أخرى إذ إحرام سنة لا يصلح لإحرام غيرها ، واقتضى كلام المصنف مساواة الكافر للمسلم فيما لو جاوزه مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم دونه وهو كذلك ، ويستثنى من كلامه ما لو مر صبي أو عبد بالميقات غير محرم مريدا للنسك ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف فلا دم عليه على الصحيح .

                                                                                                                            أفاده البدر بن شهبة في العبد وابن قاسم فيهما في شرحيهما الكتاب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : من ميقات آخر ) سيأتي في قوله نعم يتجه الاكتفاء بقدر ذلك إلخ فما هنا مجرد تصوير [ ص: 262 ] قوله أو كان الطريق مخوفا ) أي بأن خاف فيه على نفسه أو ماله ودخل في المال ما لو كان القدر الذي يخاف عليه في رجوعه بقدر قيمة الدم الذي يلزمه حيث لم يعد أو دونها ، وقياس ما في التيمم من أنه لو خاف على مال يساوي ثمن ماء الطهارة لا يعتبر أنه هنا كذلك فيجب العود وإن خاف ، وقد يفرق بأن ما هنا إسقاط لما ارتكبه وما في التيمم طريق للطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة وهي أضيق مما هنا فلا يجب العود ولا إثم بعدمه ( قوله : بمرض شاق ) أي لا يحتمل عادة وإن لم يبح التيمم ( قوله : المتجه لزوم العود مطلقا ) أي سواء كان دون مسافة القصر أو فوقها ( قوله بعمرة مطلقا ) أي وإن كان في غير سنته ( قوله فلا دم عليه إلخ ) لأن كلا منهما عند المجاوزة غير أهل للإرادة لأنه محجور عليه . ا هـ حج : أي القن ويأتي مثله في الصبي .

                                                                                                                            قال حج : أي ومجاوزة الولي بموليه مريد النسك به فيها الدم على التفصيل المذكور



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 262 ] قوله : وهو كذلك ) أي كما مر ( قوله : ويستثنى من كلامه ما لو مر صبي أو عبد بالميقات غير محرم إلخ ) اعلم أن ما ذكره هنا عن ابن شهبة وقاسم في الصبي والعبد يخالف ما ذكره فيهما في الباب المتقدم عن النص من لزوم الدم لهما حينئذ ، لكن يؤخذ مما ألحقه هناك في بعض النسخ كما قدمنا التنبيه عليه أن محل ما هنا إذا خرجا بغير إذن الولي والسيد وما هناك فيما إذا خرجا بإذنهما وإن كان الشارح وضعه هناك في غير محله كما تقدم التنبيه عليه




                                                                                                                            الخدمات العلمية