الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17170 7614 - (17622) - (4\179 - 180) عن هشام بن سعد، حدثنا قيس بن بشر التغلبي، قال: أخبرني أبي وكان، جليسا لأبي الدرداء، قال: كان بدمشق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: ابن الحنظلية، وكان رجلا متوحدا، قلما يجالس الناس، إنما هو في صلاة، فإذا فرغ فإنما يسبح ويكبر حتى يأتي أهله، فمر بنا يوما ونحن عند أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فقدمت، فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو، فحمل فلان فطعن، فقال: خذها وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى في قوله؟ قال: ما أراه إلا قد أبطل أجره، فسمع ذلك آخر، فقال: ما أرى بذلك بأسا .

فتنازعا [ ص: 294 ] حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " سبحان الله، لا بأس أن يحمد ويؤجر " قال: " فرأيت أبا الدرداء سر بذلك، وجعل يرفع رأسه إليه، ويقول: أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، فما زال يعيد عليه حتى إني لأقول: ليبركن على ركبتيه ".

قال: ثم مر بنا يوما آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك.

قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المنفق على الخيل في سبيل الله، كباسط يده بالصدقة لا يقبضها " .

قال: ثم مر بنا يوما آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره " فبلغ ذلك خريما فجعل يأخذ شفرة فيقطع بها شعره إلى أنصاف أذنيه، ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه قال: فأخبرني أبي قال: " دخلت بعد ذلك على معاوية فإذا عنده شيخ جمته فوق أذنيه، ورداؤه إلى ساقيه، فسألت عنه فقالوا: هذا خريم الأسدي ".

قال: ثم مر بنا يوما آخر، ونحن عند أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ".


التالي السابق


* قوله : "متوحدا": أي: معتزلا عن الناس .

* "كلمة ": - بالنصب - ; أي: أسألك، أو أعطنا، أو - بالرفع - بتقدير: المطلوب منك كلمة .

* "قد أبطل أجره ": لأنه رياء وسمعة.

* "أن يحمد ويؤجر": أي: لا باس أن يجتمع له الأجر من الله تعالى، [ ص: 295 ] والحمد من الناس; بحسن صنيعه، فلو أظهر فعله، وحمده الناس عليه، لما أبطل بذلك أجره، لكن لا بد ألا يقصد بالإظهار ذلك، فاجتماع الأمرين ممكن جائز، بل لو أظهره لقصد الاتباع، يؤجر على ذلك; كما يؤجر على العمل .

* "سر": على بناء المفعول.

* "ليبركن": من كثرة فرحه.

* "إن المنفق ": من الإنفاق.

* "في سبيل الله ": أي: إذا كان ربطه لقصد الجهاد.

* "خريم ": ضبط - بالتصغير - .

* "جمته ": - بضم جيم وتشديد ميم - : الشعر النازل إلى المنكبين.

* "شفرة": - بفتح الشين المعجمة - ; أي: سكينا.

* "قادمون ": أي: داخلون عليهم من السفر، والظاهر أنه قال لهم حين دخولهم بلادهم من السفر .

* "لا يحب الفحش ": أي: الدناءة حالا واقعا، كما لا يحب الدناءة مقالا، ولعل المراد به: أن يكون وسخ الثياب، غير منتظم الحال; كما هو حال المسافر في سفره .

* "والتفحش ": أي: التعمد في ذلك، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية