الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي

البيهقي - أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي

صفحة جزء
193 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس الأصم ، أبنا الربيع ، أبنا الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر ، فذكر فصلا طويلا في رد الاجتهاد على غير أصل ، وذلك فيما احتج به قول الله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فجعل الناس تبعا لهما لم يهملهم ، والاجتهاد ليس عينا قائمة ، إنما هو شيء يحدثه من نفسه ، ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره ، فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل ، وذكر مثال ذلك : الكعبة من رآها صلى إليها ، ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل ، فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة .

وقال رضي الله عنه : فجزاء مثل ما قتل من النعم والمثل للمقتول ، وقد يكون غائبا ، فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول ، فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه ، ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت ، فلو جاز الاجتهاد على غير أصل كان لابن أم مكتوم أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع ، ولكن لما لم تكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده [ ص: 182 ] حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل ، ثم ساق الكلام إلى أن قال فإن قيل : فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا أن يحكم في بني قريظة ، فحكم برأيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وافقت حكم الله فيهم " ؟ قيل هو مثل قول الله تعالى : وشاورهم في الأمر على معنى استطابة أنفس المستشارين ، أو المستشار منهم ، والرضى بالصلح على ذلك ، ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلى مشورة أحد ، والله يؤيده بنصره ، بل لله ولرسوله المن والطول على جميع خلقه .

فيحتمل أن يكون قوله له " احكم " على هذا المعنى .

أو يكون قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سنة في مثل هذا ، فحكم على مثلها ، أو يحكم فيوفقه الله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم صواب ذلك ، فيقره عليه ، أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بطاعة الله . قال : فإن قيل : فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي صلى الله عليه وسلم بلا أصل عندهم - يعني أصحاب أبي عبيدة - قيل : لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله ، ألا تراهم سألوا عن ذلك .

أو لا ترى أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده ، إذ لم يكن بهم حاجة إلى أكله أمسكوا ، إذ لم يكن عندهم أصل ، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وذكر الشافعي - رضي الله عنه - لهم عند هذا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله وسراياه ، ويأمر الناس بطاعتهم وقد فعلوا برائهم .

ثم أجاب عنه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بطاعة الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويأمر من أمر عليه أميرا (أن يطيعوه ما أطاع الله ، فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم ، وأنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق ، والقتل ، وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله ) .

فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل ، إلا ما احتججت به أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لهم ، ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان فيه كفاية [ ص: 183 ] .

194 - قال الإمام أبو بكر البيهقي رضي الله عنه : والأحاديث التي أشار إليها الشافعي رضي الله عنه مخرجة في كتاب السنن في مواضعها .

195 - وقوله أمسكوا يريد به بعض من كان مع أبي قتادة .

[ ص: 184 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية