الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحن والحضارة والشهود [الجزء الأول]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

سابعا: من يصنع التحضر.. الفرد أم المجتمع؟

لا خلاف أن التحضر صناعة إنسانية، والسؤال من يصنع ذلك، الفرد المبدع أم المجتمع؟

قضية قديمة، فهناك من يعتقد أن الفرد المبدع، ومنهم القادة العظام هـم الذين يصوغون التحضر، ويصنعون التاريخ، ويتركون بصماتهم [ ص: 134 ] عليه، وهنـاك من يـرى أن المجتـمع هـو من يصنـع ذلك كـله، ولـولاه لمـا عرفت البشرية طريقها للتحضر.

الغرب يؤمـن بالفرد وجهـوده، لذا نراه يترجم لهـؤلاء الكـبار، كما يوصي بأن التحضر كان أولا وأخيرا من صنع عبقريتهم، وقوة إبداعهم، ولولاهم لما عرفت البشرية التحضر، ولبقيت حيث هـي.

وهذا (أنشتاين) يقول بوضوح [1] : (إن جميع الخيرات المادية والعقلية والأخلاقية -على مر العصور- كان مصدرها الأفراد الخلاقون... ) .. وربما كان (توماس كاريل ) الأكثر حماسا، فهو يكرر دون ملل دور الأبطال، وعبادة البطولة [2] .

وهناك من يذهب في الاتجاه المعاكس، فيرى الفاعلية للجماهير، فهي صاحبة الأثر الأعظم في التحضر، وكذلك في التغيير.

فالماركسية مثلا، تنكر أي دور للفرد، وقد نقل عن (ماركس) أغرب تعريف للفرد إذ يقول [3] : (الفرد مجموع علاقاته الاجتماعية ) ، ويشـرح ذلـك فيقـول [4] : (ونضيف إلى هـذا أن الفـرد -تاريخـيا- لا يعني نفسه أبدا إلا في إطار حضارة، أي في قلب جماعة ) . [ ص: 135 ]

من هـذه المنطلقات رأينا الغرب يؤله الفرد، ويعتبره الكل في الكل، بينما تعتبر الماركسية المجتمع هـو كل شيء، ولا قيمة للفرد، إلا باعتباره ذرة صغيرة في مجتمع كبير.

وفي الإسلام موازنة بين الفرد والمجتمع، فلا يؤله الفرد، ولا يذوب ويختفي في المجتمع، فالفرد كائن مستقل، إلا أنه يعيش ويموت في المجتمع. وقد تحدث القرآن عن فرعون القائد، وهامان الوزير وجنودهم:

( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) (القصص:28) .

فلم ينسب ما حصل للقيـادة وحدها، أو للجـنود وحـدهم، بل جمع الكل.

وقد درس المؤرخ البريطاني المسألة، فرفض التوجهين معا فقال [5] : إن المجتمع هـو علاقة بين أفراده، وهذه العلاقة تقوم على اتفاق مجالات أعمالهم، اتفاقا يجمعها على صعيد مشترك، هـو ما نسميه بالمجتمع.

ويمثل لنظريته هـذه بالفلاح، يبذر البذر في الحقل، فإذا نبت، تكون لكل بذرة جذور وساق وأوراق، وهي تأخذ نصيبها من الغذاء والهواء (مثل الفرد ) ، وهذا الحقل زرع من قبل فلاح، بهدف الحصول على حصاد متجانس (وهذا مثل المجتمع ) . وهو مثال جيد، فكل نبتة في الحقل تمثل فردا، وكل ما في الحقل يمثل المجتمع. [ ص: 136 ]

قضية أخيرة: البطل لا يعمل لوحده، وكذلك المبدع، وخير مثال لذلك (الجيش ) ، فهو قيادة وجنود، فالقائد يطبق خططه في جنوده، والجنود لا يستغنون عن قيادتهم، وكسب أي معركة يتطلب قيادة واعية مبدعة، وجنودا مطيعين، يطبقون بدقة خطط قيادتهم، وهكذا يكون العمل، ما لم يكن فرديا في التخطيط والتفنيذ.

التالي السابق


الخدمات العلمية