الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحن والحضارة والشهود [الجزء الأول]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

الثالث عشر: البيئة الطبيعية

الحضارة تقوم في أمة وأرض.. أما الأمة، فإذا كانت مغلوبة على أمرها متخلفة، وكانت الأمية من نصيب أغلب شعبها، والفقر يضربها بسيوفه، والأمراض تستوطنها بشكل دائم، مرة تموت عطشا، ومرة تدمر مدنها وقراها الفيضانات، فهذه الأمة لن تفكر بالتحضر، وإن فكرت فعلى حد قول الشاعر:


أتمنى أن أراه حلما والتمني رأسمال المفلس



فلا بد أن يكون للأمة (كفاية ) حتى تفكر في التحضر.

ولا بد أن تكون الأرض سخية ولـو إلى حد، ولـذا فقد جعل توينبي للتحضر شرطين، بعد أن ربط التحضر بوجود (تحد) ، لا يكون قويا فيقعد الإنسان، ولا سهلا فلا يثيره، ويضرب لنظريته أمثلة من كلا النوعين [1] .

فيمثل للتحدي الصعب بالصحراء وبلاد الإسكيمو، ففي الصحراء حيث الحرارة العالية والمياه الشحيحة، يصعب إقامة حضارة، أو نجاح مشروع حضاري، على نطاق واسع، ومثل ذلك بلاد (الأسكيمو ) حيث يصارع الإنسان البرد من أجل أن لا يفتك به، لذا فلن يفكر بمشروع حضاري وهو يصارع من أجل البقاء حيا. [ ص: 149 ]

أما التحدي السهل، فيمثل له بالمناطق الاستوائية، حيث الجو المعتدل، والشمس المشرقة، والأمطار الغزيرة، فلا يخاف الإنسان الموت جوعا أو عطشا أو بردا.

إن الإنسان صانع الحضارة، لكنه يحتاج للعوامل التي تعينه وتساعده، من البشر والطبيعة. ونحن نرى اليوم أمما تجاهد للتغلب على العوائق، فهناك تحلية مياه البحر، واستخراج المياه الجوفية، والزراعة في بيوت محمية، وتحسين المنتوجات الحيوانية والنباتية، وإقامة السدود لجمع المياه، وتسميد الأراضي الزراعية لمضاعفة المنتوج، هـذا في الحقل الزراعي، وفي الحقل الصناعي حصل تقدم أكبر، مما جعل التحكم في البيئة أفضل من قبل، وإن كان لكل شيء ثمن.

وأختم ما تقدم بقول (ديورانت ) [2] : إن العوامل الجغرافية، على الرغم من أنها يستحيل أن تخلق المدنية خلقا، إلا أنها تستطيع أن تبتسم في وجهها، وتهيء سبل ازدهارها.

إن الأرض لا تضيق بأهلها، ولكن النفوس الشحيحة (الكزة ) ، هـي التي تضيق. وأحب أن أكرر مع الشاعر:

كلما أنبت الزمان قناة     ركب المرء في القناة سنانا

الأغنياء ونسبتهم في العالم عشرة بالمائة، يسيطرون من خيرات [ ص: 150 ] العالم على تسعين بالمائة، ولا يعفون عن سرقة ونهب الفقراء، فيزداد الأغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقرا.

الفقير بحاجة إلى محراث وحاصدة وجرار، ودواء، وطعام، وماء نقي، لكن الغني يفضل أن يبيعه دبابة وصواريخ، أو أدوات زينة وتجميل، أو سيارات فخمة، أو مشروبات غازية، فكيف نحل هـذه المعادلة؟.

التالي السابق


الخدمات العلمية