الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          3- أم هانئ [1] :

          أم هانىء، اسمها فاختة، بنت عـم النبـي صلى الله عليه وسلم أبي طـالب عبد مناف ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية المكية. قال الحـاكم: قال أحمد بن حنبل: أم هانئ بنت أبي طالب اسمها هند وأمها فاطمة بنت أسد بن هاشم. ثم قال الحاكم: هكذا ذكر الإمام أبو عبد الله، رضي الله عنه، اسم أم هانئ" وقد تواترت الأخبار أن اسمها فاختة [2] . اشتهرت بمكة بأنها إحدى ذوات الرأي السديد والأدب الجم، أخت علي وجعفر. خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتم زواجه منها. عاشت أم هانىء إلى ما بعد سنة خمسين.

          بلغت مرويات أم هانئ ستة وأربعين حديثا، وهي موجودة في الكتب الستة. وهي تاسع صحابية من حيث الكثرة في الرواية. روى عنها حفيدها جعدة ومولاها أبو صـالح باذام وكريب مـولى ابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح. ومجمل مروياتها تدور حول مايتعلق بالغسل، وصلاة الضحى، جواز المرأة إيجار من استأجرها، عن لباس [ ص: 152 ] الرجل في الصلاة، حول الصيام، وعن قيمة التسبيح، وفي قضايا التفسير، وعن كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن، وفضائل أهل قريش [3] .

          لقد اشتهرت أم هانئ بموقفها من إجارتها، فعن أبي مرة، مولى أم هانئ بنت أبـي طـالب، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: ( ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره. قالت: فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: مرحبا بأم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحـد، فلما انصرف قلت: يا رسـول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، قالت أم هانئ: وذاك ضحى ) [4] .

          لقد اشتهرت أم هانئ بهذا الموقف الذي يدل على قوة شخصيتها من جهة، وفيه دليل قوي على جواز قبول إجارة المرأة.

          ولم تزودنا المصادر -على حد علمنا- بسيرة مستوفية لهذه الصحابية الجليلة على الرغم من أنـها روت (46) حديثا، وهي تعتبر التاسعة. لقد كان [ ص: 153 ] لها موقف سياسي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد إجارتها لحمويها. ولا نستبعد أن تكون لها مواقف أخرى، غير أن المصادر لم تزودنا بها. يبقى أن نقلها لتلك الروايات يعكس موقعها في النخبة المثقفة حيث أسهمت في إثراء الثروة السنية التي بني عليها الفكر الإسلامي فيما بعد. ورأينا أنها روت في مجالات مختلفة، هذا ما يدل على تأثيرها في تلك المجالات، كما تعبر عن اهتماماتها خاصة إذا علمنا، كما ذكرت سابقا، أنها اشتهرت بسداد الرأي والأدب الجم.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية