الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          6- أم شريك، خولة بنت حكيم [1] :

          أم شريك صحابية جليلة، رضي الله عنها، يقال لها خويلة، وهي خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة السلمية. وقيل: إنها قرشية عامرية. وقيل: إنها أنصارية. وقيل: إنها غزيلية. ويبدو أنها كانت من بين اللواتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم ، غير أنه لم يدخل بها. كانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون. روي عن قتادة أنه قال: ( تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شريك الأنصارية من بني النجار، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار. ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها ) [2] .

          أما عن روايتها في الحديث فلقد روت أم شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثا. وروى لها مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. وروى عنها سعـد ابن أبي وقاص وسعيد بن المسيب ومحمد بن يحي بن حبان وعمر بن عبد العزيز.

          يتجلى مستوى أم شريك الاجتماعي وفعاليتها في المجتمع من خلال رواية يرويها عامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس مطولة اقتطفت منها مايخـدم الموضـوع: ( ... فقـال -أي النبي صلى الله عليه وسلم -: انتقلي إلى أم شريك، [ ص: 162 ] وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: (أي فاطمة): سأفعل. فقال: لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم، وهو رجل من بني فهر ) [3] .

          ويتضح اهتمام أم شـريك بأمور المسـلمين من خلال رواية عن جابر ابن عبد الله يقول: ( أخبرتني أم شريك أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليفرن الناس من الدجال في الجبال. قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل ) [4] .

          وخلاصة القول: على الرغم من أن أم شريك كانت عظيمة النفقة، وينـزل عليها الكثير من الضيوف، وهذا ما يفسر وجود احتكاك لها بالناس بشكل واضح، كما جاء في الرواية كانت بشكل ظاهر وكثير، إلا أن المصادر لم تنقل إلينا إسهاماتها الاجتماعية أو الفكرية باستثناء الروايتين اللتين ذكرتهما. كما لم تصلنا الحوارات التي كانت تجري بين القوم في بيتها، وأثرها في ذلك.

          وفي الواقع تعد أم شريك أنموذجا نخبويا متميزا، فإلى جانب روايتها للحديث رغم قلة مروياتها، إلا أنها كانت تساهم في المجتمع بمالها. فاستقبالها للضيفان في بيتها هو تعزيز لاتجاه فكري معين وتأكيد له، سواء من حيث [ ص: 163 ] استقلالية المرأة المالية وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع، أو من حيث مشاركتها الاجتماعية الإيجابية بدل صرف المال في ملذات الدنيا ومتاعها.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية