الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          -ارتباط أسباب نزول بعض الآيات التشريعية بالسيدة عائشة:

          لقد نـزلت آيات من القرآن بسب حدثين كان لهما علاقة بأم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، دون أن يذكر اسمها فيها؛ لأنها نصوص تشريعية لعامة المسلمين، وليست خاصة بها فقط. أما الحدث الأول فكان غير مباشر، وهو سبب نـزول آيات التيمم [1] لكل المسلمين [2] . وأما السبب [ ص: 190 ] الثاني فكان حدثا مباشرا ذا علاقة بشخصية السيدة عائشة، وكان سببا في نـزول الآيات العشر من سورة النور لتبرئة أمنا عائشة، رضي الله عنها، من الإفك [3] ، ابتليت السيدة عائشة، رضي الله عنها، بحادثة الإفك وعمرها يومئذ اثنتا عشرة سنة [4] ، فأنزل الله آيات تتلى في براءتها في سورة النور.. لقد اعتبرت السيدة عائشة، رضي الله عنها، نـزول القرآن فيها شرفا عظيما لها.

          ويمكن استخلاص العبرة من نـزوله عليها من زاوية أخرى، فإلى جانب حرص الله عز وجل على إظهار طهارة عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة، والمحـافظة عليه نقيا من أي شائبة، وحتى لا يستغل المنافقون هذه الحادثة للقدح في رسالته، فإننا نرى أيضا أنه لو لم ينـزل الله في حقها قرآنا يتلى، واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بتبرئتها من خلال رؤية رآها، لتعرض العلم الذي أخذته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النقد والتشكيك فيه. هذا من جهة، ومن الناحية الثانية فإن القرآن الكريم أراد أن يؤكد أهمية وقيمة كرامة كل إنسان، ذكرا كان أم أنثى، فمن حاول انتهاك حرمات هذه الكرامة يلقى العقاب الرادع.

          ويمكن أن نقول: بما أن الله عز وجل أنـزل تلك الأحكام ليرفع الضرر عن السيدة عائشة، رضي الله عنها، فيتجلى هنا أيضا أهمية صوت المرأة المتضررة في صناعة قرارات ترفع الظلم عنها. [ ص: 191 ]

          ويمكننا أن نستخـلص من حـادثة الإفك أن المجتمـع في كل الأحوال لا يرحم، ولا يكف لسانه عن القيل والقال، فمريم، عليها السلام، أنكر عليها قومها عندما أتتهم بوليدها السيد المسيح، عليه السلام، على الرغم من المنـزلة التي عرفت بها، وجاء دور عائشة لتكون لنا عبرة أيضا. وهل سلم الرجال من أقوال الناس حتى تسلم النساء، والذي يهمنا من هذا كله أن هذه الحادثة ونـزول براءتها لم تمنع عائشة من أن تتولى منصب الفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون لها موقع نخبوي مؤثر.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية