الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              41 [ 23 ] وعن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق ، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء .

                                                                                              وفي رواية : على ما كان من عمل .

                                                                                              رواه مسلم ( 28 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " وأن عيسى عبد الله ، وابن أمته ، وكلمته ألقاها إلى مريم ") هذا الحديث مقصوده إفادة التنبيه على ما وقع للنصارى من الغلط في عيسى وأمه عليهما السلام ، والتحذير عن ذلك ، بأن عيسى عبد الله لا إله ولا ولد ، وأمه أمة الله تعالى ، ومملوكة له لا زوجة ، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا! .

                                                                                              ويستفاد من هذا ما يلقنه النصراني إذا أسلم . وقد اختلف في وصف عيسى بكونه كلمة ، فقيل : لأنه تكون بكلمة " كن " من غير أب . وقيل : لأن الملك جاء أمه بكلمة البشارة به عن أمر الله تعالى . وهذان القولان أشبه ما قيل في ذلك .

                                                                                              ومعنى ألقاها ، أي : أعلمها بها ، يقال : ألقيت عليك كلمة ، أي : أعلمتك بها .

                                                                                              وسمي عيسى روح الله ; لأنه حدث عن نفخة الملك ، وإضافة الله تعالى إليه ; لأن ذلك النفخ كان عن أمره وقدره ، وسمي النفخ روحا ; لأنه ريح يخرج من [ ص: 201 ] الروح ; قاله المكيون . وقيل : سمي بذلك عيسى ; لأنه روح لمن اتبعه . وقيل : لأنه تعالى خلق فيه الروح من غير واسطة أب ; كما قال في آدم : ونفخت فيه من روحي قاله الحربي .

                                                                                              و (قوله : " أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ") ظاهر هذا يقتضي أن قول هذه الكلمات يقتضي دخول الجنة ، والتخيير في أبوابها ، وذلك بخلاف ما ظهر من حديث أبي هريرة الآتي في كتاب الزكاة ; فإن فيه ما يقتضي أن كل من كان من أهل الجنة إنما يدخل من الباب المعين للعمل الذي كان يعمله غالبا الداخل ; فإنه قال فيه : فمن كان من أهل الصلاة ، دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام ، دعي من باب الصيام ، وهكذا الجهاد .

                                                                                              والتوفيق بين الظاهرين : أن كل من يدخل الجنة مخير في الدخول من أي باب شاء ، غير أنه إذا عرض عليه الأفضل في حقه ، دخل منه مختارا للدخول منه من غير جبر عليه ، ولا منع له من الدخول من غيره ; ولذلك قال أبو بكر - رضي الله عنه - : ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، والله أعلم .

                                                                                              و (قوله : " على ما كان من عمل ") أي : يدخله الجنة ولا بد ، سواء كان عمله صالحا أو سيئا ، وذلك بأن يغفر له السيئ ; بسبب هذه الأقوال ، أو يربي ثوابها على ذلك العمل السيئ . وكل ذلك يحصل إن شاء الله لمن مات على تلك الأقوال ، إما مع السلامة المطلقة ، وإما بعد المؤاخذة بالكبائر على ما قررناه آنفا .




                                                                                              الخدمات العلمية