الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك علاء الدين غزنة وأخذها منه

لما فرغ بهاء الدين من وصيته توفي ، فسار ولداه إلى غزنة ، فخرج أمراء الغورية وأهل البلد فلقوهما ، وخرج الأتراك معهم على كره منهم ، ودخلوا البلد وملكوه ، ونزل علاء الدين وجلال الدين دار السلطنة مستهل رمضان ، وكانوا قد وصلوا في ضر وقلة من العسكر ، وأراد الأتراك منعهم ، فنهاهم مؤيد الملك وزير شهاب الدين لقلتهم ، ولاشتغال غياث الدين بابن خرميل - والي هراة على ما نذكره - فلم يرجعوا عن ذلك .

ولما استقرا بالقلعة ، ونزلا بدار السلطانية ، راسلهما الأتراك بأن يخرجا من الدار وإلا قاتلوهما ، ففرقا فيهم أموالا كثيرة ، واستحلفاهم فحلفوا ، واستثنوا غياث الدين محمودا ، وأنفذا خلعا إلى تاج الدين ألدز - وهو بإقطاعه - مع رسول ، وطلباه إلى طاعتهما ، ووعداه بالأموال والزيادة في الإقطاع ، وإمارة الجيش ، والحكم في جميع الممالك ، فأتاه الرسول فلقيه وقد سار عن كرمان في جيش كثير من الترك والخلج والغز وغيرهم يريد غزنة ، فأبلغه الرسالة ، فلم يلتفت إليه ، وقال له : قل لهما أن يعودا إلى باميان ، وفيها كفاية ، فإني قد أمرني مولاي غياث الدين أن أسير إلى غزنة وأمنعهما عنها ، فإن عادا إلى بلدهما ، وإلا فعلت بهما وبمن معهما ما يكرهون .

ورد ما معهما من الهدايا والخلع ، ولم يكن قصد ألدز بهذا حفظ بيت صاحبه ، وإنما أراد أن يجعل هذا طريقا إلى ملك غزنة لنفسه .

[ ص: 220 ] فعاد الرسول وأبلغ علاء الدين رسالة ألدز ، فأرسل وزيره ، وكان قبله وزير أبيه ، إلى باميان وبلخ وترمذ وغيرها من بلادهم ، ليجمع العساكر ويعود إليه ، فأرسل ألدز إلى الأتراك الذين بغزنة يعرفهم أن غياث الدين أمره أن يقصد غزنة ويخرج علاء الدين وأخاه منها ، فحضروا عند ابن وزير علاء الدين ، وطلبوا منه سلاحا ، ففتح خزانة السلاح ، وهرب ابن الوزير إلى علاء الدين وقال له : قد كان كذا وكذا ، فلم يقدر [ أن ] يفعل شيئا .

وسمع مؤيد الملك - وزير شهاب الدين - فركب وأنكر على الخازن تسليم المفاتيح ، وأمره فاسترد ما نهبه الترك جميعه ، لأنه كان مطاعا فيهم .

ووصل ألدز إلى غزنة ، فأخرج إليه علاء الدين جماعة من الغورية ومن الأتراك ، وفيهم صونج صهر ألدز ، فأشار عليه أصحابه أن لا يفعل ، وينتظر العسكر مع وزيره ، فلم يقبل منهم ، وسير العساكر ، فالتقوا خامس رمضان ، فلما لقوه خدمه الأتراك وعادوا معه على عسكر علاء الدين فقاتلوهم فهزموهم وأسروا مقدمهم ، وهو محمد بن علي بن حردون ، ودخل عسكر ألدز المدينة فنهبوا بيوت الغورية والبامانية ، وحصر ألدز القلعة ، فخرج جلال الدين منها في عشرين فارسا ، وسار عن غزنة ، فقالت له امرأة تستهزئ به : إلى أين تمضي ؟ خذ الجتر والشمسة معك ! ما أقبح خروج السلاطين هكذا ! فقال لها : إنك سترين ذلك اليوم ، وأفعل بكم مما تقرون به بالسلطنة لي .

وكان قد قال لأخيه : احفظ القلعة إلى أن آتيك بالعساكر ، فبقي ألدز يحاصرها وأراد من مع ألدز نهب البلد ، فنهاهم عن ذلك وأرسل إلى علاء الدين يأمره بالخروج من القلعة ، ويتهدده إن لم يخرج منها ، وترددت الرسل بينهما في ذلك ، فأجاب إلى مفارقتها والعود إلى بلده ، وأرسل من حلف له ألدز أن لا يؤذيه ، ولا يتعرض له ، ولا لأحد ممن يحلف له .

وسار عن غزنة ، فلما رآه ألدز وقد نزل من القلعة عدل إلى تربة شهاب الدين مولاه ، ونزل إليها ، ونهب الأتراك ما كان مع علاء الدين ، وألقوه عن فرسه ، وأخذوا ثيابه ، وتركوه عريانا بسراويله .

[ ص: 221 ] فلما سمع ألدز ذلك أرسل إليه بدواب وثياب ومال ، واعتذر إليه فأخذ ما لبسه ورد الباقي ، فلما وصل إلى باميان لبس ثياب سوادي ، وركب حمارا ، فأخرجوا له مراكب ملوكية ، وملابس جميلة ، فلم يركب ولم يلبس ، وقال : أريد [ أن ] يراني الناس وما صنع بي أهل غزنة ، حتى إذا عدت إليها وخربتها ونهبتها لا يلومني أحد . ودخل دار الإمارة وشرع في جمع العساكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية