الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر فتح صهيون وعدة من الحصون

ثم رحل صلاح الدين عن لاذقية في السابع والعشرين من جمادى الأولى ، وقصد قلعة صهيون ، وهي قلعة ، منيعة شاهقة في الهواء ، صعبة المرتقى ، على قرنة جبل يطيف بها واد عميق ، فيه ضيق في بعض المواضع ، بحيث إن حجر المنجنيق يصل منه إلى الحصن ، إلا أن الجبل متصل بها من جهة الشمال .

وقد عملوا لها خندقا عميقا لا يرى قعره ، وخمسة أسوار منيعة فنزل صلاح الدين على هذا الجبل الملتصق بها ونصب عليه المجانيق ورماها وتقدم إلى ولده الظاهر ، صاحب حلب ، فنزل على المكان الضيق من الوادي ، ونصب عليه المجانيق أيضا ، فرمى الحصن منه .

وكان معه من الرجالة الحلبيين كثير ، وهم في الشجاعة بالمنزلة المشهورة ، ودام رشق السهام من قسي اليد والجرخ ، والزنبورك ، والزيار ، فجرح أكثر من بالحصن ، وهم يظهرون التجلد والامتناع .

وزحف المسلمون إليهم ثاني جمادى الآخرة ، فتعلقوا بقرنة من ذلك الجبل قد أغفل الفرنج إحكامها ، فتسلقوا منها بين الصخور ، حتى التحقوا بالسور الأول فقاتلوهم عليه حتى ملكوه ، ثم إنهم قاتلوهم على باقي الأسوار فملكوا منها ثلاثة وغنموا ما فيها من أبقار ودواب وذخائر وغير ذلك .

واحتمى الفرنج بالقلة التي للقلعة ، فقاتلهم المسلمون عليها ، فنادوا وطلبوا الأمان فلم يجبهم صلاح الدين إليه ، فقرروا على أنفسهم مثل قطيعة البيت المقدس ، وتسلم الحصن وسلمه إلى أمير يقال له ناصر الدين منكوبرس ، صاحب قلعة أبي قبيس ، فحصنه وجعله من أحصن الحصون .

ولما ملك المسلمون صهيون تفرقوا في تلك النواحي ، فملكوا حصن بلاطنوس ، وكان من به من الفرنج قد هربوا منه وتركوه خوفا ورعبا ، وملك أيضا [ ص: 52 ] حصن العيذو ، وحصن الجماهرتين ، فاتسعت المملكة الإسلامية بتلك الناحية ، إلا أن الطريق إليها من البلاد الإسلامية على عقبة بكسرائيل شاق شديد ، لأن الطريق السهلة كانت غير مسلوكة ، لأن بعضها بيد الإسماعيلية ، وبعضها بيد الفرنج .

التالي السابق


الخدمات العلمية