الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفرع الثالث

                                                                                                                في الجواهر : ما لا يحس بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار ، يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن الصبر على الجوع والضرر ، ويكفي فيه الظن القريب من اليقين .

                                                                                                                الفرع الرابع :

                                                                                                                في الجواهر : تجوز شهادة الأعمى في الأقوال خلافا لـ ( ش ) و ( ح ) لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ ( فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) فربط الحل والحرمة بسماع الصوت المعهود ، وفرقوا بأن الأذان لا تتوفر الدواعي فيه على الحلة بخلاف الشهادة ، والأعمى تلتبس عليه المحاكاة ، وجوابهم : أن المحاكاة التي يعتبر التمييز فيها إنما تقع في نحو الكلمة والكلمتين أما القول الطويل فلا ، وكذلك لا يمنع الأعمى من الضبط ، ولأن ( ح ) جوز شهادته في النسب والنكاح والموت ، و ( ش ) في الموت والنسب والترجمة لقول من لا يعرف الحاكم تفسير كلامه أو على من ترك أذنه على أذن الأعمى واعترف ويذهبان إلى الحاكم على تلك الحالة ، فبقيت على هذه الصورة أقيم مقام الشهادة جواز وطء الرجل امرأته بناء على صوتها ، واستباحة الفروج أعظم من الشهادة ؛ ولأنه يجب العمل بما نقله إلينا أزواج رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من الكتاب والسنة ، وهن من وراء حجاب ، وإذا جاز هذا في أصول الدين ، جاز في فروعه ، احتجوا بقوله تعالى : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) . . . [ ص: 165 ] والأعمى لا يعلم ، وبقوله تعالى ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) والأعمى ليس معتدلا ، وبقوله تعالى : ( واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) فأخبر أن الألسنة مختلفة ، ووجدنا الخلق تتشابه فكذلك الأصوات ، وبقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيت مثل هذه الشمس فاشهد وإلا فدع ) فذكر الشمس تنبيه على المعاينة ؛ ولأنه لا تجوز الشهادة على أحد بلمسه أو بشمه ، فكذلك سماع كلامه ؛ ولأن الشهادة من المشاهدة والأعمى لم يشاهد ، فلم يجز أن يكون شاهدا .

                                                                                                                الجواب عن الأول : أن الأعمى إذا تكرر عليه صوت ولده وامرأته وعبده عرفه وقطع به عند السماع ، وهذا معلوم بالضرورة ، فما شهد إلا بما علم .

                                                                                                                وعن الثاني : أن المراد بالاعتدال في الأخلاق والدين لا في الخلق ، ولذلك الصحابة _ رضي الله عنهم - عمي منهم جماعة ولم يقدح ذلك في عدالتهم .

                                                                                                                وعن الثالث : أن المراد : اللغات ، فإن منعتم بناء على اللبس في الصوت فامنعوا البصير بناء على اللبس في الألوان والصور .

                                                                                                                وعن الرابع : إن تكرر الصوت على الأعمى فتصير معرفة صاحبه عنده كالشمس في العلم والقطع ، وليس المراد مشاهدة البصر ، لصحة الشهادة بنبوة محمد _ صلى الله عليه وسلم _ بالسماع من غير مشاهدة البصر ، لحصول العلم .

                                                                                                                وعن الخامس : أن اللمس إنما يفيد الخشونة والملوسة والحرارة والبرودة ، والشم يفيد الروائح دون العلم بالموصوف بهذه الصفات أي شخص هو من جنسه ، بخلاف الأصوات في مجاري العادات إذا تكررت أفادت العلم بالشخص الموصوف بها عند سماع كلامه .

                                                                                                                [ ص: 166 ] وعن السادس : أن الشهادة لفظ مشترك بين العلم والخبر والحضور ، والكل موجود في الأعمى فيجوز .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية