الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المانع السادس

                                                                                                                تهمة بطلان الحق ، قال صاحب البيان : لا تقبل شهادة أهل البادية إذا قصدوا دون الحاضر في المبايعات ، والنكاح ، والهبة ، والإجارة ، والوصية ، والعتق [ ص: 284 ] والتدبير ; لأن العدول إليهم في هذه ريبة في أصل الحق ، فلا شهادة لبدوي في الحضر على حضري ولا بدوي إلا في الجراح ، والقتل ، والزنا ، والشرب ، والضرب ، والشتم ، ونحوه مما لا يقصد الإشهاد عليه ، بل يقع بغتة ، وتجوز شهادتهم فيما يقع في البادية من ذلك كله على الحضري والبدوي ; لأن الموجود ثم ليس إلا عدولهم دون الحضر ، قال : فعلى هذا الأصل لو حضروا فيما يقع بين أهل الحاضرة من المعاملات وغيرها دون أن يحضروا لذلك أو يقصدوا له ، فشهدوا جاز ، وعن مالك : ترد شهادة البدوي على الحضري لبدوي مطلقا ، كان في الحضرة والبدوية ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجوز شهادة البدوي على القروي ) ومن هذا المعنى : شهادة العالم على العالم ، فعن ابن وهب : لا يقبل القارئ على القارئ لما بين أهل العلم من التحاسد ، وجوز ابن القاسم شهادة البدوي في رؤية الهلال ، قال مالك : وإذا انقطع القروي في البادية وصار منهم ، جازت شهادتهم له ، وفي النوادر : إذا مات الرجل بالبادية ، وكان يتجر بها قبلت شهادة أهل البادية لعبده أنه أعتقه ، وجميع أموره إذا كان لا يجد غيرهم ، ولولا ذلك بطلت حقوقه .

                                                                                                                وفي الجــواهر : قال الإمام أبو عبد الله : التهمة إذا كتب خطه في الوثيقة أو في الصداق وهو الحضر ، بخلاف ما لو سمعهما يتقارران ، أو في سفر ، قال اللخمي : لا يقبل البدوي إلا أن يعلم به كان مخالطا للحضريين ، أو يكون جميعهم مسافرين ، وكذلك بين حضري وبدوي إلا أن يكون البدوي من قرية الشاهد فيشهد بمداينة كانت في القرية أو في الحاضرة إذا كان معروفا بالعدالة وممن يعول في المداينة على مثله ، وقال ابن حنبل : لا يقبل البدوي مطلقا ، لنا : الحديث المتقدم ، وهو في أبي داود ، وبدوي لا يقبل شهادة بدوي على صاحب قرية ، وهو محمول عندنا على [ ص: 285 ] توقع التهمة جمعا بينه وبين العمومات كقوله تعالى : ( شهيدين من رجالكم ) [ . . . ] الكتاب ويحمل الحديث على من لم تعلم عدالته من الأعراب ، وهذا أولى ; لأنه يفضي إلى عدم التعارض ، وبما روي في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد عنده أعرابي على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس ، ولأن من قبلت شهادته في الجراح قبلت في غيرها أصله القروي ، ولأن الجراح آكد من المال فهو في المال أولى .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن جمعنا أولى ; لأنه لو كان لأجل عدم العدالة ; لم يبق في تخصيصه لصاحب القرية فائدة ، فدل التخصيص على المراد التهمة .

                                                                                                                وعن الثانــي : نحن نقبله في رؤية الهلال .

                                                                                                                وعن الثالث : الفرق : أن القروي لا يتهم ، والبدوي يتهم ، ولأن الجراح في الغالب يقصد بها الخلوات والمغفلات بخلاف العقود إذا عدل فيها عن أهل بلده إلى بدوي ، كان ذلك ريبة ، فإن قيل : الريبة فيمن أشهد لا في الشاهد ، قيل : الريبة حصلت في بطلان الحق فيكون أجلد الشاهد عنه كذبا فيرد .

                                                                                                                وعن الرابــع : أن الجراح أكل مسلم ، ولكنها سلمت عن التهمة ، والعقود فيها التهمة .

                                                                                                                فائــدة : البدوي منسوب للقرية ، وهي الدور المجتمعة ، من قريت الماء في الحوض إذا جمعته ، فكل مدينة قرية ، وليس كل قرية مدينة ; لأن المدينة من الإدانة وهي الطاعة ، فإذا كان في القرية من يطاع من ولاة الأمر ، فهي مدينة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية