الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 281 ] المانع الرابع

                                                                                                                تهمة الحرص على القبول بزوال معرة الكذب ، وفي الكتاب : إذا أدى الصبي ، أو الكافر ، أو العبد ، فردت شهادتهم لم تقبل أبدا ، وفي الجواهــر : يمنع الشهادة الحرص على البراءة مما ينسب إليه من توهم الكذب كمن شهد فرد لنفسه ثم تاب فلا تقبل ، وقاله ابن حنبل ، وقال ( ش ) و ( ح ) : يقبل الكل إلا الفاسق لما أنهم يتهمون عن إظهار صدقهم والعوائد دالة على ذلك ، وبالقياس على الفواسق ; لأنه روي عن عثمان وعلي من غير مخالف من الصحابة .

                                                                                                                احتجــوا : بأن الثلاثة لا تسمع شهادتهم لما علم من صفاتهم ، فما تحقق الرد ، وبه يظهر الفرق بينهم وبين الفاسق ; لأنه تسمع شهادته ، ثم ينظر في عدالته ، فإن ظهر فسقه رد ، فيبقى طبعه يحثه على تنفيذ ما تعلق به أهله أولا ، بخلاف الأول لم تتعلق آمالهم بذلك لا يلحقهم عار ; لكون الفسق ، ولأنهم لا يلحقهم عار يكون أحدهم صبيا أو كافرا أو عبدا ; لأنها أمور توطنت نفوسهم عليها بخلاف الفسق لا تسمع شهادتهم ، يعني : مقطوع به فيهم ، والفسق يعلم غالبا بالاجتهاد ، فلا يقبل تائبا بالاجتهاد في العدالة ، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ، وهاهنا ننتقل من معلوم إلى معلوم ، فإن زوال هذه الأوصاف معلوم .

                                                                                                                والجــواب عن الأول : أن الثلاثة قد لا يعلم الحاكم أحوالهم ، ثم يسأل عنهم فيحصل السماع والرد ، فلو لم يسمع منهم شيئا حتى كشف عن أحوالهم فمحال أن يتفق إذا حينئذ ، ونحن نقول في هذه الصورة : يقبلون بعد زوال تلك الأوصاف ، وإنما الخلاف إذا أدوا ، فسقط الفـرع ، بل نعكس ونقول : لو حصل البحث عن الفاسق قبل الأداء قبل إذا زال فسقه كما تقدم .

                                                                                                                وعن الثانـــي : أن العار يلحقهم بكونهم يحصرون عند التحمل والأداء ولا [ ص: 282 ] يعرج عليهم ، فالنفوس الأبية ترتغم ذلك ، بل الفاسق وهو أولى لعدم الارتغام والعار ; لأنه اطرح الحياء ولا بأس ما يمكنه تركه ، وهؤلاء مقهورون لنقصهم ، فيكون الفاسق بعيدا عن الناس بخلافهم .

                                                                                                                وعن الثالث : أن الكافر يقبل بعد إسلامه عندكم ، مع أن الإسلام غير معلوم بل ظاهر ، فقد نقض الظن أو العلم السابق بكفره بالظن .

                                                                                                                وعن الرابع : أن العلة الأولى أخلفها علة أخرى وهي التهمة .

                                                                                                                تفريـــع : قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إن جهل القاضي فأجازها في الحالة الثانية نقض حكمه ، ولو شهد أولا فلم يروا حتى تغيرت أحوالهم ، قبلوا لعدم ألم نفوسهم بالرد فلا تهمة ، وقال أشهب : إذا قلت للحاكم : شاهدي فلان العبد ، أو الكافر ، أو الصبي ، فقبل شهادته ، ثم تغير حاله ، قبلت شهادته ; لأن ذلك فتيا لا رد ، قال بعض القرويين : ينبغي أن يعيدوا شهادتهم بعد زوال نقصهم ، قال ابن القاسم : فإن حكم بشهادة العبد يظنه حرا فقمت بذلك بعد عتقه ، رد الحكم الأول ، ويقام بها الآن ، فشهد لك ثانيا ، وقياس قول مالك وأصحابه : إذا كان الثلاثة أصولا أشهدوا على شهادتهم ، ثم انتقلوا إلى حالة القبول ; لا تقبل شهادة الفروع لتحملهم عمن لا تقبل شهادتهم ، بخلاف إن شهدوا في الحال الثاني بما علموا في الحال الأول ، قال : وهذا يقتضي أن العبد الذي حكم بشهادته ، لا بد أن يعيد الأول ، قال سحنون : أجمع أصحابنا أن كل من رد بجرحة أو ظنة أو مانع لا يقبل بعد ذلك إذا زال ذلك المانع ; لأن قاضيا وحكم بردها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية