الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5118 60 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاما أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة فتبعهم رجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجل قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته، قال: بل أذنت له.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: "أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة" وقد ذكرنا أنه تكلف حيث حصر العدد. ومحمد بن يوسف هو أبو أحمد البخاري البيكندي، وسفيان هو ابن عيينة، والأعمش هو سليمان، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري.

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مر في البيوع في باب ما قيل في اللحام والجزار، فإنه أخرجه هناك عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش، عن شقيق، عن أبي مسعود ... إلى آخره، وفي المظالم أيضا عن أبي النعمان، ومضى الكلام فيه هناك.

                                                                                                                                                                                  قوله: "اللحام" أي: بياع اللحم، وتقدم في البيوع بلفظ قصاب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خامس خمسة" معناه أدعو أربعة أنفس ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خامسهم، يقال: خامس أربعة، وخامس خمسة، بمعنى واحد، وفي الحقيقة يكون المعنى: الخامس مصير الأربعة خمسة، وانتصاب "خامس" على الحال، ويجوز الرفع على تقدير: أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خامس خمسة، والجملة أيضا تكون حالا، وفي رواية مسلم، عن الأعمش: "اصنع لنا طعاما لخمسة نفر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "فتبعهم رجل" وفي رواية أبي عوانة، عن الأعمش: "فاتبعهم" بتشديد التاء المثناة من فوق بمعنى تبعهم، وفي رواية حفص بن غياث: فجاء معهم رجل.

                                                                                                                                                                                  ومثل هذا الرجل الذي يتبع بلا دعوة يسمى طفيليا منسوبا إلى رجل من أهل الكوفة يقال له طفيل، من بني عبد الله بن غطفان، كان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها، وكان يقال له طفيل الأعراس، وهذه الشهرة إنما اشتهر بها من كان بهذه الصفة بعد الطفيل المذكور، وأما شهرته عند العرب قديما فكانوا يسمونه الوارش، بالشين المعجمة، هذا إذا دخل لطعام لم يدع إليه، فإن دخل لشراب لم يدع إليه يسمونه الواغل، بالغين المعجمة.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وهذا رجل قد تبعنا" وفي رواية جرير وأبي عوانة: اتبعنا، بالتشديد، وفي رواية أبي معاوية: لم يكن معنا حين دعوتنا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فإن شئت أذنت له"... إلخ، وفي رواية أبي عوانة: فإن شئت أن يرجع رجع، وفي رواية جرير: وإن شئت رجع، وفي رواية أبي معاوية: إنه اتبعنا ولم يكن معنا حين دعوتنا، فإن أذنت له دخل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بل أذنت له" وفي رواية أبي أسامة: لا، بل أذنت له، وفي رواية جرير: لا، بل ائذن له يا رسول الله، وفي رواية أبي معاوية: فقد أذنا له فليدخل.

                                                                                                                                                                                  وفيه فوائد كثيرة قد ذكرناها في باب ما قيل في اللحام في كتاب البيوع.

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف استأذن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في هذا الحديث على الرجل الذي معه، وقال في حديث أبي طلحة في الصحيح لمن معه: قوموا؟

                                                                                                                                                                                  قلت: أجيب بأجوبة:

                                                                                                                                                                                  الأول: أنه علم من أبي طلحة رضاه بذلك، فلم يستأذن، ولم يعلم رضا أبي شعيب فاستأذنه.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أن أكل القوم عند [ ص: 64 ] أبي طلحة مما خرق الله تعالى به العادة، وبركة أحدثها الله عز وجل لا ملك لأبي طلحة عليها، فإنما أطعمهم مما لا يملكه، فلم يفتقر إلى استئذان.

                                                                                                                                                                                  الثالث: بأن يقال: إن الأقراص جاء بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مسجده ليأخذها منه، فكأنه قبلها وصارت ملكا له، فإنما استدعي لطعام يملكه، فلا يلزمه أن يستأذن في ملكه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية